للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآية؛ قال: (أنبأهم) (١) الله بذلك من فعلهم، وقد حرَّم عليهم في التوراة سفك دمائهم، وافترض عليهم فيها فداءَ أسراهم؛ فكانوا فريقين: طائفة منهم بنو قينقاع (وأنهم) (٢) حلفاء الخزرج والنضير؛ وقريظة (وأنهم) (٢) حلفاء الأوس؛ فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج، وخرجت النضير وقريظة مع الأوس؛ يظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه، حتى يتسافكوا دماءهم بينهم، وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم. والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان، ولا يعرفون جنة ولا نارًا، ولا بعثًا ولا قيامةً، ولا كتابًا، ولا حلالًا، ولا حرامًا؛ فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أسراهم، تصديقًا لما في التوراة، وأخذًا به؛ بعضهم من بعض، يفتدي بنو قينقاع ما كان من أسراهم في أيدي الأوس، ويفتدي النضير وقريظة ما كان في أيدي الخزرج منهم، (ويطلون) (٣) ما أصابوا من دمائهم، (وقتلوا) (٤) من قتلوا منهم، فيما بينهم مظاهرةً لأهل الشرك عليهم، يقول الله تعالى ذكره (حين) (٥) (أنبأهم) (٦) بذلك: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ أي: تفادونهم بحكم التوراة. وتقتلونهم، وفي حكم التوراة أن لا (يفعل) (٧) (ويخرجه من داره، ويظاهر) (٨) عليه من يشرك بالله، ويعبد الأوثان من دونه ابتغاء عرض الدنيا؟

ففي ذلك من فعلهم مع الأوس والخزرج فيما بلغني نزلت هذه القصة. وقال أسياط، من السدي: كانت قريظة حلفاء الأوس، وكانت النضير حلفاء الخزرج، فكانوا يقتتلون في حرب (سمير) (٩)، فتقاتل بنو قريظة مع حلفائها النضير وحلفاءهم، وكانت النضير تقاتل قريظة وحلفاءها (ويغلبونهم) (١٠)، فيخربون ديارهم ويخرجونهم منها؛ فإذا أسر رجل من الفريقين كليهما جمعوا له حتى يفدوه، فتعيرهم العرب بذلك، ويقولون: كيف تقاتلونهم وتفدونهم؟ قالوا: إنا أمرنا أن نفديهم، وحرم علينا قتالهم قالوا: فلم تقاتلونهم؟ قالوا: إنا نستحيي أن (تستذل حلفاؤنا) (١١)؛ فذلك حين عيرهم الله ؛ فقال (تعالى) (١٢): ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ … ﴾ الآية.


(١) كذا في جميع "الأصول"؛ وفي "ن": "ابتلاهم" وأشار في الحاشية إلى اللفظ الأول، وفي "تفسير الطبري": "أنبهم الله".
(٢) في (ن): "وهم".
(٣) كذا في (ز) و (ض) و (ع) و (ى) وهو الموافق لما في "تفسير الطبري" (١٤٧١) ووقع في (ج) و (ك) و (ل) و (ن): "ويطلبون". ومعنى: "يطلون" يعني: يهدرون. يقال: طل دمه وأطله: إذا أهدره وأبطله.
(٤) في (ز): "قتلى".
(٥) في (ن): "حيث".
(٦) في (ز): "أنبهم".
(٧) في (ن): "يقتل".
(٨) كذا في سائر "الأصول"؛ وفي (ز) و (ن): "ولا يخرج من داره، ولا يظاهر عليه من يشرك بالله".
(٩) في (ن): "بينهم". قال الشيخ محمود شاكر حفظه الله: "حرب سمير كانت في الجاهلية بين الأوس والخزرج، و"سمير"" رجل من بني عمرو بن عوف. وانظر خبر هذه الحرب في "الأغاني" (٣/ ١٨ - ٢٦). اهـ.
(١٠) في (ز): "يلعنونهم".
(١١) كذا في (ز) وهو الموافق لما في "تفسير الطبري" (١٤٧٢)؛ وفي (ض) و (ع) و (ك) و (ى): "يستذل بحلفائنا"؛ وفي (ج): "نذل لحلفائنا" وفي (ك): "تذل حلفائنا"؛ وفي (ن): "تستذل حلفاءنا".
(١٢) من (ن) و (ل).