للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأنصار، كانوا في الجاهلية عباد أصنام، وكانت بينهم حروب كثيرة، وكانت يهود المدينة ثلاث قبائل: بنو قينقاع، وبنو النضير حلفاء الخزرج، وبنو قريظة حلفاء الأوس، فكانت الحرب إذا نشبت بينهم قاتل كل فريق مع حلفائه، فيقتل اليهودي أعداءه، وقد يقتل اليهودي الآخر من الفريق الآخر، وذلك حرام عليهم في دينهم ونص (كتابه) (١)، ويخرجونهم من بيوتهم، وينتهبون ما فيها من الأثاث والأمتعة والأموال، ثم إذا وضعت الحرب أوزارها استفكّوا الأسارى من الفريق المغلوب عملًا بحكم التوراة، ولهذا قال تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ [البقرة: ٨٥] ولهذا قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ﴾ أي: لا يقتل بعضكم بعضًا، ولا يخرجه من منزله، ولا يظاهر عليه؛ كما قال تعالى: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤] وذلك أن أهل (الملة) (٢) الواحدة بمنزلة النفس الواحدة، كما قال (٣) : "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم بمنزلة الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى (والسَّهر) (٤) ".

وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ أي: ثم أقررتم بمعرفة هذا الميثاق وصحته، وأنتم تشهدون به.

[﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ﴾ تقديره: ثم أنتم يا هؤلاء، ومنع (كثير) (٥) من النحاة حذف حرف النداء مع اسم الإشارة، وسوغه بعضهم؛ وهو ظاهر السياق.

وقيل: هؤلاء بمعنى: "الذين"، ومعناه: ثم أنتم الذين تقتلون أنفسكم … إلى آخره. وقيل معناه: ثم أنتم اليوم هؤلاء؛ [مبتدأ وخبر؛ أي: ثم صرتم بعد العهود والمواثيق] (٦) على ما أنتم عليه من] (٧) [الصفة المفسَّرة بما بعده.

قال الزمخشري (٨): نزل تغير الصفة منزلة تغير الذات؛ كما يقال: دخل بغير الوجه الذي خرج به] (٩).

﴿تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ … ﴾ الآية.

قال محمد بن (١٠) إسحاق بن (يسار) (١١): حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير، أو عكرمة؛ عن ابن عباس: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ﴾


(١) في (ن): "كتابهم".
(٢) في (ز): "البلد".
(٣) أخرجه البخاريُّ (١٠/ ٤٣٨)، ومسلم (٢٥٨٦/ ٦٦).
(٤) في (ل): "الشهير"!!
(٥) في (ل): "كثيرون".
(٦) ساقط من (ج).
(٧) من (ج) و (ع) و (ل) و (ى).
(٨) في "الكشاف" (١/ ٧٩) وعبارته: "والمعنى: ثم أنتم بعد ذلك هؤلاء الشاهدون، يعني: أنكم قوم آخرون غير أولئك المقرين تنزيلًا لتغير الصفة منزلة تغير الذات كما تقول: رجعت بغير الوجه الذي خرجت به".
(٩) من (ج) و (ع) و (ل) و (ى).
(١٠) أخرجه ابن جرير (١٤٧١) بطوله. وهو عند ابن أبي حاتم (٨٦١) مختصرًا. [وسنده حسن].
(١١) في (ل): "بشار" وهو تصحيف.