للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأعظم الأمم المتقدمة هم اليهود والنصارى، فاليهود استعملهم الله من لدن موسى إلى زمان عيسى، والنصارى من ثم إلى أن بعث محمدًا ثم استعمل أمته إلى قيام الساعة، وهو المشبه بآخر النهار، وأعطى المتقدمين قيراطًا قيراطًا، وأعطى هؤلاء قيراطين قيراطين ضعفي ما أعطى أولئك، فقالوا: أي ربنا ما لنا أكثر عملًا وأقل أجرًا؟ فقال: هل ظلمتكم من أجركم شيئًا؟ قالوا: لا، قال: فذاك فضلي؛ أي: الزائد على ما أعطيتكم أوتيه من أشاء، كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨) لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩)[الحديد].

[الوصاة بكتاب الله]

حدثنا (١) محمد بن يوسف، حدّثنا مالك بن مغول، حدّثنا طلحة هو ابن مصرف، سألت عبد الله بن أبي أوفى: أوصى النبي ؟ قال: لا، قال: قلت: فكيف كتب على الناس الوصية أمروا بها ولم يوص؟ قال: أوصى بكتاب الله ﷿.

وقد رواه في مواضع أخر مع بقية الجماعة إلا أبا داود من طرق عن مالك بن مغول به.

وهذا نظير ما تقدَّم عن ابن عباس أنه ما ترك إلا ما بين الدفتين. وذلك أن الناس كتب عليهم الوصية في أموالهم كما قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾ [البقرة: ١٨٠] وأما هو فلم يترك شيئًا يورث عنه، (وإنما) (٢) ترك ماله صدقةً جاريةً من بعده فلم يحتج إلى وصية في ذلك.

ولم يوص إلى خليفة يكون بعده على التنصيص؛ لأن الأمر كان ظاهرًا من إشاراته وإيماءاته إلى الصديق، ولهذا لما هم بالوصية إلى أبي بكر ثم عدل عن ذلك قال: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" (٣) وكان كذلك وإنما أوصى الناس باتباع كلام الله.

[من لم يتغن بالقرآن]

وقول الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾ [العنكبوت: ٥١].

حدثنا يحيى (٤) بن بكير، حدّثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أنه كان يقول: قال رسول الله : "لم يأذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن". وقال صاحب له: يريد يجهر به، فرد من هذا الوجه.


(١) البخاري في "فضائل القرآن" (٩/ ٦٧).
وأخرجه أيضًا في "الوصايا" (٥/ ٣٥٦) وفي "المغازي" (٨/ ١٤٨)؛ ومسلم (١٦٣٤/ ١٦، ١٧).
(٢) في (أ): "وأما"!
(٣) أخرجه البخاري (١٠/ ١٢٣، ١٣/ ٢٠٥)؛ ومسلم (٢٣٧٨/ ١١).
(٤) البخاري في "فضائل القرآن" (٩/ ٦٨). وأخرجه أيضًا في "التوحيد" (١٣/ ٤٥٣) وفي "خلق الأفعال" (٢٤٢)؛ ومسلم (٧٩٢/ ٢٣٢).