للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سُوْرَةُ مَريَمَ

وهي مكية

وقد روى محمد بن إسحاق في السيرة من حديث أُم سلمة (١)، وأحمد بن حنبل، عن ابن مسعود في قصة الهجرة إلى أرض الحبشة من مكة أن جعفر بن أبي طالب قرأ صدر هذه السورة على النجاشي وأصحابه (٢).

﴿كهيعص (١) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (٣) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦)﴾.

أما الكلام على الحروف المقطعة فقد تقدم في أول سورة البقرة.

وقوله: ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ﴾ أي: هذا ذكر رحمة الله بعبده زكريا، وقرأ يحيى بن يعمر (ذَكَّرَ (٣) رحمة ربك عبده زكريا) وزكريا يمد ويقصر، قراءتان مشهورتان (٤)، وكان نبيًا عظيمًا من أنبياء بني إسرائيل، وفي صحيح البخاري: أنه كان نجارًا يأكل من عمل يده في النجارة (٥).

وقوله: ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (٣)﴾ قال بعض المفسرين: إنما أخفى دعاءه لئلا ينسب في طلب الولد إلى الرعونة لكبره، حكاه الماوردي (٦).

وقال آخرون: إنما أخفاه لأنه أحب إلى الله، كما قال قتادة في هذه الآية: ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (٣)﴾ إن الله يعلم القلب التقي، ويسمع الصوت الخفيّ (٧).


(١) ينظر: السيرة النبوية لابن هشام ١/ ٣٤٧، وأخرجه الإمام أحمد مطولًا وحسنه محققوه (المسند ٣/ ٢٦٢ - ٢٦٩ ح ١٧٤٠).
(٢) ينظر الحديث السابق ففيه نص قراءة جعفر بن أبي طالب صدر سورة مريم. وحديث ابن مسعود أخرجه الإمام أحمد وضعفه سنده محققوه (المسند ٧/ ٤٠٨ ح ٤٤٠٠)، وحسنه الحافظ ابن حجر (الفتح ٧/ ١٨٩) وجوده الحافظ ابن كثير (البداية والنهاية ٣/ ٦٩).
(٣) وهي قراءة شاذة تفسيرية ذكرها أبو حيان ونسبها إلى يحيى بن يعمر والحسن البصري (البحر المحيط ٦/ ١٧٢).
(٤) ومتواترتان.
(٥) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة (الصحيح، الفضائل، باب من فضائل زكريا ح ٢٣٧٩).
(٦) ذكره الماوردي بمعناه. النكت والعيون ٢/ ٥١٥.
(٧) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد، وهو ابن أبي عروبة، عن قتادة.