للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاجلس في مجلسي، فجلس فيه، ورفع عيسى ، فدخلوا عليه، فأخذوه فصلبوه، فكان هو الذي صلبوه، وشبه لهم به، وكانت عدتهم حين دخلوا مع عيسى معلومة، وقد رأوهم فأحصوا عدتهم، فلما دخلوا عليه ليأخذوه وجدوا عيسى وأصحابه فيما يرون، وفقدوا رجلًا من العدة، فهو الذي اختلفوا فيه، وكانوا لا يعرفون عيسى، حتَّى جعلوا ليودس زكريا يوطا ثلاثين درهمًا على أن يدلهم عليه ويعرفهم إياه، فقال لهم: إذا دخلتم عليه فإني سأقبّله، وهو الذي أقبّل فخذوه، فلما دخلوا، وقد رفع عيسى ورأى سرجس في صورة عيسى، فلم يشك أنه هو، فأكب عليه يقبله، فأخذوه فصلبوه. ثم إن يودس زكريا يوطا ندم على ما صنع فاختنق بحبل حتَّى قتل نفسه، وهو ملعون في النصارى، وقد كان أحد المعدودين من أصحابه، وبعض النصارى يزعم أنه يودس زكريا يوطا، وهو الذي شبه لهم، فصلبوه وهو يقول: إني لست بصاحبكم، أنا الذي دللتكم عليه، واللّه أعلم أي ذلك كان (١).

وقال ابن جرير، عن مجاهد: صلبوا رجلًا شبه بعيسى ورفع الله ﷿ عيسى إلى السماء حيًا (٢)، واختار ابن جرير أن شبه عيسى ألقي على جميع أصحابه (٣).

وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (١٥٩)﴾ قال ابن جرير: اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ يعني: قبل موت عيسى يوجه ذلك إلى أن جميعهم يصدقون به إذا نزل لقتل الدجال، فتصير الملل كلها واحدة، وهي ملة الإسلام الحنيفية، دين إبراهيم .

[ذكر من قال ذلك]

حَدَّثَنَا ابن بشار، حَدَّثَنَا عبد الرحمن، عن سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾، قال: قبل موت عيسى بن مريم (٤).

وقال العوفي، عن ابن عباس مثل ذلك (٥).

وقال أبو مالك في قوله: ﴿إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ قال: ذلك عند نزول عيسى، وقبل موت عيسى بن مريم ، لا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا آمن به (٦).

وقال الضحاك، عن ابن عباس: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ يعني: اليهود خاصة (٧).


(١) أخرجه الطبري بسنده السابق ومتنه.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٣) التفسير ٩/ ٣٧٤ (ط. شاكر).
(٤) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده صحيح، وأخرجه الحاكم من طريق سفيان وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٣٠٩)، ويشهد له ما رواه مسلم عن أبي هريرة مرفوعًا بنحوه (الصحيح، الإيمان، باب نزول عيسى ابن مريم ح ٢٤٢).
(٥) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، ويشهد له سابقه.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق حصين السلمي عن أبي مالك بنحوه.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم عن الضحاك به، وسنده ضعيف لأن الضحاك لم يسمع ابن عباس.