للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحكى البخاري، عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي أنه أنكر سماع المطلب من أنس بن مالك.

(قلت): وقد رواه محمد بن يزيد الأدمي، عن ابن أبي رواد، عن ابن جريج، عن الزهري، عن أنس، عن النبي به، فالله أعلم.

وقد أدخل بعض المفسرين هذا المعنى في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (١٢٤) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (١٢٥) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (١٢٦)[طه].

وهذا الذي قاله هذا وإن لم يكن هو المراد جميعه فهو بعضه، فإن الإعراض عن تلاوة القرآن وتعريضه للنسيان وعدم الاعتناء به فيه تهاون كبير وتفريط شديد نعوذ بالله منه.

ولهذا قال : "تعاهدوا القرآن" وفي لفظ: "استذكروا القرآن، فإنه أشد تفصيًا من صدور الرجال من النعم".

التفصي: التخلص، يقال: تفصى فلان من البلية إذا تخلص منها، ومنه: تفصى النوى من الثمرة إذا تخلص منها؛ أي: إن القرآن أشد تفلتًا من الصدور من النعم إذا أرسلت من غير عقال.

وقال أبو عبيد (١): حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: قال عبد الله - يعني: ابن مسعود - إني لأمقت القارئ أن أراه سمينًا نسيًّا للقرآن.

وحدثنا (٢) عبد الله بن المبارك، عن عبد العزيز بن أبي روَّاد قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول: ما من أحد تعلم القرآن (ثم) (٣) نسيه إلا بذنب يحدثه؛ لأنه الله تعالى يقول: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: ٣٠] وإن نسيان القرآن من أعظم المصائب.

ولهذا قال إسحاق بن راهويه وغيره: يكره للرجل أن يمر عليه أربعون يومًا لا يقرأ فيها القرآن، كما أنه يكره له أن يقرأه في أقل من ثلاثة أيام، كما سيأتي هذا حيث يذكره البخاري بعد هذا، وكان الأليق أن يتبعه هذا الباب، ولكن ذكر بعد هذا قوله:

[القراءة على الدابة]

حدثنا (٤) حجاج، حدّثنا شعبة، أخبرني أبو إياس قال: سمعت عبد الله بن مغفل قال: رأيت رسول الله يوم فتح مكة وهو يقرأ على راحلته سورة الفتح.


(١) في "فضائل القرآن" (ص ١٠٤)؛ وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" (٤/ ٢٢٧) من طريق جرير، عن الأعمش بسنده سواء ورجاله ثقات، لكنه منقطع بين إبراهيم النخعي وابن مسعود، فلم يدركه والله أعلم.
(٢) أخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (ص ١٠٤) وفي "غريب الحديث" (١/ ١٤٥)؛ وأخرجه ابن المبارك (٨٥)؛ ووكيع (٩٥) كلاهما في "الزهد"؛ وابن أبي شيبة (١٠/ ٤٧٨، ٤٧٩)؛ وابن أبي حاتم في "تفسيره"؛ كما في "ابن كثير" (٧/ ١٩٦)؛ والبيهقي في "الشعب" (ج ٤/ رقم ١٨١٣) من طريق عبد العزيز بن أبي رواد، سمعت الضحاك بن مزاحم … فذكره وسنده جيد.
(٣) في (أ): "فنسيه".
(٤) البخاري في "الفضائل" (٩/ ٨٣، ٩٢)، ومسلم (٧٩٤/ ٢٣٧، ٢٣٨، ٢٣٩).