للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أخطَأَ، وكذلك مَنْ نصب الخلافَ فيما لا فائدةَ تحته، أو حكى أقوالًا متعددة لفظًا ويرجع حاصلها إلى قولٍ أو قولين معنًى فقد ضيَّعَ الزمان، وتكثَّرَ بما ليس بصحيح، فهو كلابس ثَوْبى زُور (١). والله الموفق للصواب.

فَصلٌ

إذا لم تجد التَّفسير في القرآنِ ولا في السُّنَّةِ، ولا وجدتَّهُ عن الصَّحابَةِ، فقد رجع كثير (مِن) (٢) الأئمَّةِ في ذلكَ إلى أقوالِ التَّابعينَ، كمجاهدِ بنِ جَبْرٍ؛ فإنَّهُ كان آيةً في التَّفْسِيرِ، كما قال محمَّدُ بْنُ إسحاقَ (٣): حدَّثنا أَبانُ بنُ صالحٍ، عن مُجَاهِدٍ؛ قال: عرضتُ المصحفَ على ابنِ عبَّاسٍ ثلاثَ عَرْضاتٍ مِنْ فاتِحتِه إلى خاتِمَتِهِ، أُوقِفُهُ عند كُلِّ آيةٍ منه، وأسألُهُ عنها.

وقَالَ ابنُ جَرير (٤): حدثنا أبو كُرَيبٍ، ثنا طَلْقُ بنُ غَنَّام، عن عثمَانَ المكيِّ، عن ابنِ أبي مُلَيْكَةَ؛ قَالَ: رَأَيتُ مجاهدًا سأَلَ ابْنَ عبَّاسٍ عن تفسيرِ القرآنِ ومعه ألواحُهُ؛ قَالَ: فيقولُ له ابنُ عبَّاسٍ: اكتُبْ، حتَى سألَهُ عن التَّفسيرِ كُلِّهِ.

ولهذا كان سفيانُ (٥) الثَّوريُّ يقولُ: إذا جاءَكَ التفسيرُ عن مُجاهدٍ فحَسْبُكَ بِهِ.

وكسعيدِ بنِ جُبيرٍ، وعِكْرمةَ مولى ابنِ عبَّاسٍ، وعَطاءِ بنِ أبي رباحٍ، والحسنِ البصريِّ، ومسروقِ بنِ الأجْدَعِ، وسَعِيدِ بنِ المسيَّب، وأَبي العالية، والرَّبيعِ بْنِ أَنسٍ، وقَتَادةَ، والضحاكِ بن مُزَاحمٍ، وغيرِهِم من التَّابعين وتابعيهم ومَنْ بعدهم، فَتُذْكرُ أقوالُهُم في الآيةِ فيقَعُ في عِبَاراتِهِم تبَاينٌ في الألفاظ يَحْسَبُها (بعض) (٦) مَنْ لا عِلْمَ عندَهُ اختلافًا فيحكيها أَقْوَالًا؛ وليسَ كذلكَ؛ فإنَّ منهم من يعبِّرُ عن الشَّيءِ بلازمِهِ أو بِنَظيرِهِ، ومنهم من يَنُصُّ على الشَّيءِ بعينِهِ، والكلُّ بمعنىً واحدٍ (في كثيرٍ من) (٧) الأماكنِ، فَلْيتَتَفطَّنِ اللَّبيبُ لذلك. والله الهادي.

وقال شعبةُ بنُ الحجَّاجِ وغيرُهُ: أقوالُ التَّابعينَ في الفُرُوعِ ليست حُجَّةً، فكيفَ تكون حجةً في التفسير؟ يعنى أنها لا تكون حجةً على غيرهم ممن خالفهم، وهذا صحيح، أما إذا أجمعوا على


(١) إشارة إلى ما أخرجه البخاري (٩/ ٣١٧)؛ ومسلم (٢١٣٠/ ١٢٧).
(٢) ساقط من (ج).
(٣) أخرجه الطبري (١٠٨)؛ وأبو نعيم في "الحلية" (٣/ ٢٧٩، ٢٨٠)، ومن طريقه الذهبي في "التذكرة" (٢/ ٧٠٦)؛ وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (ج ١٦/ ل ٢٥٢) من طريق ابن إسحاق بسنده سواء.
قال الذهبي: "هذا حديث حسن الإسناد"، وأخرجه أحمد في "الفضائل" (١٨٦٦)؛ وابن أبي شيبة (١٠/ ٥٥٩) من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله.
(٤) في "تفسيره" (١٠٧)، ورجاله ثقات إلا عثمان المكي، ولعله عثمان بن أبي الكنات. ترجمه ابن أبي حاتم (٣/ ١/ ١٦٥) وقال: "روى عن ابن أبي مليكة، روى عنه البصريون ويسرة بن صفوان" وذكره ابن حبان في "الثقات" (٧/ ٢٠١).
ويحتمل أن يكون: عثمان بن الأسود المكي، أو عثمان بن صفوان. والله أعلم.
(٥) أخرجه ابن جرير (١٠٩) قال: حدثني عبيد الله بن يوسف الجبيري، عن أبي بكر الحنفي، قال: سمعت سفيان الثوري فذكره. وسنده جيد.
(٦) زيادة من (ح) و (ل).
(٧) في (ن): "في أكثر".