سلك الحافظ ابن كثير منهجًا علميًا دقيقًا في إيراد التفسير فتناول جميع ضروب البيان، وأذكرها مرتبةً حسب أهميتها، وهي كما يلي:
أولًا: تفسير القرآن بالقرآن:
حرص الحافظ ابن كثير أن يصدر تفسيره بالبيان القرآني، وهو منهج مثالي قد رسمه الإمام الشافعي في كتابه القيم "الرسالة" وجعله البيان الأول من أنواع البيان، وتبعه أفذاذ المفسرين وأكّد على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمته الشهيرة في أصول التفسير، وقد توّج بها الحافظ ابن كثير مقدمة تفسيره، وأخذ بهذا المنهج في بداية كل تفسيره فكلما وجد آية مبيّنة للآية التي يريد تفسيرها فإنه يوردها ويصرح بها، بل ويذكر مرادفاتها ليوضح المعنى بالآيات القرآنية، وقد يشير إلى تفسير القرآن بالقرآن ولا يصرح كما في تفسير قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (١٨)﴾ [الإسراء] فقال الحافظ: وهذه مقيدة لإطلاق ما سواها من الآيات. اهـ. فهذه إشارة إلى الآيات التي فيها الإطلاق مثل قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ [آل عمران: ١٤٥]، وكقوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا﴾ [هود: ١٥]، وفي هذا تنشيط للقارئ بأن يبحث عن هذه الآيات.
وتفسير القرآن بالقرآن له أهميته وقيمته العلمية، وتتجلى فيما يلي:
١ - أهميته في أمر التدبر فكلما جال النظر والفكر في تفسير القرآن بالقرآن زاد تدبرًا وتأثرًا.
٢ - أجمع العلماء على أنه أحسن طرق التفسير، وذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاه الزركشي في البرهان والسيوطي في الإتقان ومن بعدهم.
٣ - السهولة وخصوصًا في البيان المتصل، لأنك تجد تفسير الآية في لاحقها في آية أو في بضع آيات.
٤ - يضع الحد الفيصل للخلاف في تفسير بعض القضايا، كقوله تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى