للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويجعله مرافقًا للأنبياء ثم لمن بعدهم في الرتبة وهم الصديقون، ثم الشهداء والصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم، ثم أثنى عليهم تعالى فقال: ﴿وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾.

وقال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله بن حوشب، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عروة، عن عائشة، قالت: سمعت رسول الله يقول: "ما من نبي يمرض إِلا خير بين الدنيا والآخرة" وكان في شكواه التي قبض فيها أخذته بحة شديدة فسمعته يقول: "مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين" فعلمت أنه خُيّر (١). وكذا رواه مسلم من حديث شعبة عن سعد بن إِبراهيم به (٢). وهذا معنى قوله في الحديث الآخر: "اللهم الرفيق الأعلى" ثلاثًا ثم قضى (٣).

[ذكر سبب نزول هذه الآية الكريمة]

قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله وهو محزون، فقال له النبي : "يا فلان ما لي أراك محزونًا؟ " فقال: يا نبي الله شيء فكرت فيه، فقال: ما هو؟ قال: نحن نغدو عليك ونروح ننظر إلى وجهك ونجالسك وغدًا ترفع مع النبيين فلا نصل إليك، فلم يردّ النبي شيئًا، فأتاه جبريل بهذه الآية ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (٦٩)﴾ قال: فبعث النبي فبشره (٤). وقد روي هذا الأثر مرسلًا عن مسروق، وعن عكرمة، وعامر الشعبي وقتادة، وعن الربيع بن أنس (٥)، وهو من أحسنها سياقًا.

قال ابن جرير: حدثنا المثنى، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ … ﴾ الآية، وقال: إِن أصحاب النبي ، قالوا: قد علمنا أن النبي له فضل على من آمن به في درجات الجنات ممن اتبعه وصدقه، وكيف لهم إذا اجتمعوا في الجنة أن يرى بعضهم بعضًا. فأنزل الله في ذلك، يعني هذه الآية، فقال - يعني: رسول الله : "إن الأعلين ينحدرون إلى من هو أسفل منهم، فيجتمعون في رياضها، فيذكرون ما أنعم الله عليهم ويثنون عليه، وينزل لهم أهل الدرجات فيسعون عليهم بما يشتهون وما يدعون به، فهم في روضة يحبرون ويتنعمون فيه" (٦).


(١) أخرجه البخاري بسنده ومتنه (الصحيح، تفسير سورة النساء، باب ﴿فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ﴾ [النساء: ٦٩] ح ٤٥٨٦).
(٢) صحيح مسلم، فضائل الصحابة، باب في فضل عائشة (ح ٢٤٤٤).
(٣) أخرجه الشيخان من حديث عائشة (صحيح البخاري، المغازي، باب مرض النبي ح ٤٤٣٧)، وصحيح مسلم، الباب السابق (ح ٢٤٤٤).
(٤) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وفيه ابن حميد وهو محمد بن حميد الرازي ضعيف، وفيه إرسال سعيد بن جبير، ويتقوى بالآثار والأحاديث التالية.
(٥) قول مسروق أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق أبي الضحى عنه لكنه مرسل، وقول عكرمة أخرجه ابن حاتم بسند ضعيف، وقول الشعبي أخرجه الطبري بسند ضعيف وستأتي رواية أخرى عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند حسن مرسل، وقول الربيع كما يلي.
(٦) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده جيد لكنه مرسل.