للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ الآية: فأنزل الله (تعالى) (١) بعد ذلك: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٨٥)[آل عمران]؛ فإن هذا الذي قاله ابن عباس إخبار عن أنه لا يقبل من أحد طريقةً ولا عملًا إلا ما كان موافقًا لشريعة محمد بعد أن بعثه بما بعثه به؛ فأما قبل ذلك فكل من اتبع الرسول في زمانه فهو على هدًى وسبيل نجاة؛ فاليهود أتباع موسى الذين كانوا يتحاكمون إلى التوراة في زمانهم.

واليهود: من الهوادة وهي المودة، أو التهود وهى التوبة؛ كقول موسى : ﴿إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] أي: تبنا؛ فكأنهم سُموا بذلك في الأصل لتوبتهم ومودتهم في بعضهم (لبعض) (٢).

[وقيل: لنسبتهم إلى يهودا أكبر أولاد يعقوب وقال أبو عمرو بن العلاء: لأنهم يتهودون؛ أي: يتحركون عند قراءة التوراة] (٣).

فلما بعث عيسى وجب على بني إسرائيل اتباعه والانقياد له، فأصحابه وأهل دينه هم النصارى، وسموا بذلك لتناصرهم فيما بينهم. وقد يقال لهم أنصار أيضًا، كما قال عيسى : ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٥٢] وقيل: إنهم سموا بذلك من أجل أنهم نزلوا أرضًا يقال لها: "ناصرة". قاله قتادة (٤) وابن جريج (٥)، وروي عن ابن (٦) عباس أيضًا. والله أعلم.

والنصارى: جمع نصران؛ كنشاوى جمع نشوان، وسكارى جمع سكران؛ ويقال للمرأة: "نصرانة"؛ قال الشاعر (٧):

نصرانة لم تحنَّف

فلما بعث الله محمدًا خاتمًا للنبيين، ورسولًا إلى بني آدم على الإطلاق، ووجب عليهم


= معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة به. [وسنده ثابت].
قال ابن جرير: "وهذا الخبر يدل على أن ابن عباس كان يرى أن الله جل ثناؤه كان قد وعد من عمل صالحًا من اليهود والنصارى والصابئين على عمله في الآخرة الجنة، ثم نسخ ذلك بقوله: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [آل عمران: ٨٥]. فتاويل الآية إذن على ما ذكرنا عن مجاهد والسدي: إن الذين آمنوا من هذه الأمة، والذين هادوا، والنصارى والصابئين من آمن من اليهود والنصارى والصابئين بالله واليوم الآخرة، فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون". اهـ.
(١) من (ج) و (ل).
(٢) كذا في (ن)، وأشار ناسخ (ى) أنها وقعت كذلك في نسخة، ووقع في سائر "الأصول": "بعض".
(٣) ساقط من (ز) و (ض).
(٤) أخرجه ابن جرير (١٠٩٧، ١٠٩٨) من طريقين عن قتادة؛ وهو صحيح.
(٥) أخرجه ابن جرير (١٠٩٥) بسند جيد.
(٦) أخرجه ابن جرير (١٠٩٦) بإسناد ساقط وعزاه السيوطي في "الدر" (١/ ٧٥) إلى ابن سعد في "الطبقات".
قال ابن جرير: "طريق غير مرتضًى".
(٧) هو أبو الأخرز الحماني وانظر "تفسير الطبري" (٢/ ١٤٤) و"تفسير القرطبي" (١/ ٤٤٣)، وتمام البيت:
فكلتاهما خرت وأسجد رأسها … كما سجدت نصرانة لم تحنف
يصف ناقتين طأطأتا رؤوسهما من الإعياء، فشبه رأس الناقة برأس النصرانية إذا طأطأته في صلاتها.