للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال عكرمة (١): قولوا: "لا إله إلا الله".

[وقال الحسن، وقتادة: أي: احطط عنا خطايانا] (٢).

وقال الأوزاعي (٣): كتب ابن عباس إلى رجل قد سماه، يسأله عن قوله تعالى: ﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ فكتب إليه أن أقروا بالذنب.

﴿نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ﴾ هذا جواب الأمر؛ أي: إذا فعلتم ما أمرناكم غفرنا لكم الخطيئات، وضاعفنا لكم الحسنات (٤).

وحاصل الأمر أنهم أُمروا أن يخضعوا لله تعالى عند الفتح بالفعل والقول، وأن يعترفوا بذنوبهم، ويستغفروا منها، والشكر على النعمة عندها، والمبادرة إلى ذلك من المحبوب لله تعالى، كما قال تعالى: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (٣)[النصر] فسره بعض الصحابة بكثرة الذكر والاستغفار عند الفتح والنصر. وفسره ابن عباس (٥) بأنه نعى إلى رسول الله أجله فيها، وأقره على ذلك عمر .

ولا منافاة بين أن يكون قد أُمر بذلك عند ذلك، ونُعى إليه روحه الكريمة أيضًا؛ ولهذا كان يظهر عليه الخضوع جدًّا عند النصر؛ كما رُوي (٦) أنه كان يوم الفتح - فتح المكة - داخلًا إليها من الثنية العليا، وإنه لخاضع لربه حتى إن (عثنونه) (٧) ليمس مورك رحله (يشكر) (٨) الله على ذلك. ثم لما دخل البلد اغتسل وصلى ثماني ركعات؛ وذلك ضحًى؛ فقال بعضهم: هذه صلاة الضحى. وقال آخرون: بل هي صلاة الفتح (٩). فاستحبوا للإمام وللأمير إذا


(١) أخرجه ابن جرير (١٠١٥)؛ وابن أبي حاتم (٥٨٦) من طريق حفص بن عمر، ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة. وحفص بن عمر متروك ولكنه لم يتفرد به فتابعه إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه مثله. أخرجه الطبراني في "الدعاء" (١٥٦٤)؛ وإبراهيم شبه المتروك. وعزاه السيوطي (١/ ٧١) لعبد بن حميد.
(٢) قول الحسن وقتادة متأخر بعد قول الأوزاعي في (ز) و (ض) و (ن). وأخرج قولهما هذا عبد الرزاق (١/ ٤٧) ومن طريقه ابن جرير (١٠٠٩) وتقدم الإشارة إليه. [وسنده صحيح].
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٨٧) وسنده ضعيف لإعضاله.
(٤) جاء بعد هذه الجملة في (ع) و (هـ): "وحكى الرازي أنه عني بالباب جهة من جهات القرية" وقد تقدم هذا الكلام في موضعه عند قوله تعالى: ﴿ادْخُلُوا الْبَابَ﴾ [النساء: ١٥٤]، ولا معنى لذكره هنا. والله أعلم.
(٥) كما أخرجه البخاري (٦/ ٦٢٨؛ و ٨/ ٢٠، ١٢٠، ٧٣٥)، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس نحوه مختصرًا.
(٦) أخرجه ابن هشام في "السيرة" (٤/ ١٩)؛ والبيهقي في "الدلائل" (٥/ ٦٨) من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال: "لما نزل رسول الله بذي طوى، ورأى ما أكرمه الله به من الفتح، جعل رسول الله يتواضع لله، حتى إنه ليقول: قد كاد عثنونه أن يصيب واسطة الرحل".
وهذا مرسل حسن الإسناد، وله شاهد موصول أخرجه البيهقي (٥/ ٦٨، ٦٩) من طرق عبد الله بن أبي بكر المقدمي، ثنا جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس قال: دخل رسول الله مكة يوم الفتح، وذقنه على رحله متخشعًا، وسنده صحيح.
(٧) في (ل): "عيونه"! ووقع في (ك) و (هـ): "عسنونه" بالسين وكلاهما تصحيف والعثنون: اللحية، أو ما فضل منها بعد العارضين.
(٨) في (ن) و (هـ): "شكرًا لله".
(٩) وهكذا رجح ابن القيم . وانظر: "زاد المعاد" (٣/ ٤١٠).