للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال مجاهد والسدي وابن جريج: ﴿لَوْلَا تُسَبِّحُونَ﴾ أي: لولا تستثنون (١).

قال السدي: وكان استثناؤهم في ذلك الزمان: تسبيحًا.

وقال ابن جرير: هو قول القائل: إن شاء الله (٢)، وقيل: معناه ﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (٢٨)﴾ أي: فهلا تسبحون الله وتشكرونه على ما أعطاكم وأنعم به عليكم

﴿قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (٢٩)﴾ أتوا بالطاعة حيث لا تنفع وندموا واعترفوا حيث لا ينجع ولهذا قالوا: ﴿إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (٢٩)

﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (٣٠)﴾ أي: يلوم بعضهم بعضًا على ما كانوا أصروا عليه من نفع المساكين من حق الجذاذ، فما كان جواب بعضهم لبعض إلا الاعتراف بالخطيئة والذنب.

﴿قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (٣١)﴾ أي: اعتدينا وبغينا وطغينا وجاوزنا الحد حتى أصابنا ما أصابنا

﴿عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ﴾ قيل: رغبوا في بذلها لهم في الدنيا وقيل: احتسبوا ثوابها في الدار الآخرة، والله أعلم.

ثم قد ذكر بعض السلف أن هؤلاء قد كانوا من أهل اليمن؛ قال سعيد بن جبير: كانوا من قرية يقال لها: "ضروان" على ستة أميال من صنعاء، وقيل: كانوا من أهل الحبشة، وكان أبوهم قد خلف لهم هذه الجنة، وكانوا من أهل الكتاب وقد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة، فكان ما يستغل منها يرد فيها ما تحتاج إليه ويدخر لعياله قوت سنتهم ويتصدق بالفاضل، فلما مات وورثه بنوه قالوا: لقد كان أبونا أحمق إذ كان يصرف من هذه شيئًا للفقراء، ولو أنا منعناهم لتوفر ذلك علينا، فلما عزموا على ذلك عوقبوا بنقيض قصدهم، فأذهب الله ما بأيديهم بالكلية رأس المال والربح والصدقة فلم يبق لهم شيء، قال الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾ أي: هكذا عذاب من خالف أمر الله، وبخل بما أتاه الله وأنعم به عليه ومنع حق المسكين والفقير وذوي الحاجات وبدل نعمة الله كفرًا ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ أي: هذه عقوبة الدنيا كما سمعتم وعذاب الآخرة أشقّ.

وقد ورد في حديث رواه الحافظ البيهقي من طريق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده أن رسول الله نهى عن الجذاذ بالليل والحصاد بالليل (٣).

﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (٣٨) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (٣٩) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (٤٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (٤١)﴾.

لما ذكر تعالى حال أهل الجنة الدنيوية وما أصابهم فيها من النقمة حين عصوا الله ﷿ وخالفوا أمره بيَّن أن لمن اتقاه وأطاعه في الدار الآخرة جنات النعيم التي لا تبيد ولا تفرغ ولا ينقضي نعيمها.


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه ابن حميد وهو محمد بن حميد الرازي وهو ضعيف.
(٢) ذكره الطبري بنحوه.
(٣) أخرجه البيهقي من طريق جعفر بن محمد به (السنن الكبرى ٤/ ١٣٣)، وسنده ضعيف لإرساله.