للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم قال تعالى: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥)﴾ أي: أفنساوي بين هؤلاء وهؤلاء في الجزاء؟ كلا وربِّ الأرض والسماء ولهذا قال: ﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦)﴾ أي: كيف [تظنون] (١) ذلك؟

ثم قال: ﴿أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (٣٨)﴾ يقول: أفبأيديكم كتاب منزل من السماء تدرسونه وتحفظونه وتتداولونه بنقل الخلف عن السلف متضمن حكمًا مؤكدًا كما تدعونه ﴿إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (٣٨)

﴿أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (٣٩)﴾ أي: أمعكم عهود منا ومواثيق مؤكدة ﴿إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ﴾ أي: أنه سيحصل لكم ما تريدون وتشتهون

﴿سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (٤٠)﴾ أي: قل لهم من هو المتضمن المتكفل بهذا؟

﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ﴾ أي: من الأصنام والأنداد ﴿فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾.

﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (٤٣) فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧)﴾.

لما ذكر تعالى أن للمتقين عند ربهم جنات النعيم بيّن متى ذلك كائن وواقع فقال: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢)﴾ يعني: يوم القيامة وما يكون فيه من الأهوال والزلازل والبلاء والامتحان والأمور العظام.

وقد قال البخاري ههنا: حدثنا آدم، حدثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي يقول: "يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقًا واحدًا" (٢). وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وفي غيرهما من طرق، وله ألفاظ وهو حديث طويل مشهور.

وقد قال عبد الله بن المبارك، عن أُسامة بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ قال: هو يوم القيامة يوم كرب وشدة. رواه ابن جرير (٣).

ثم قال: حدثنا ابن حميد، حدثنا مهران، عن سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم، عن ابن مسعود أو ابن عباس - الشك من ابن جرير - ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ قال: عن أمر عظيم كقول الشاعر:

وقامت الحرب عن ساق (٤)

وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ قال: شدة الأمر (٥).


(١) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل بياض.
(٢) أخرجه البخاري بسنده ومتنه. (الصحيح، التفسير، باب ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ [القلم: ٤٢] ح ٤٩١٩).
(٣) أخرجه عبد الله بن المبارك (الزهد رقم ٣٦١ من زوائد نعيم)؛ والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. (المستدرك ٢/ ٤٩٩، ٥٠٠).
(٤) أخرجه الطبري بسنده عن ابن عباس من غير شك وبمتنه، وسنده ضعيف لضعف شيخ الطبري، وإبراهيم لم يسمع من ابن عباس. ويتقوى بسابقه.
(٥) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح به.