للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يكون من أفناد الناس (١)، ويدخل هو في الصف المتقدم ويحتج بهذا الحديث: "ليليني منكم أولو الأحلام والنهى" (٢) وأما عبد الله بن عمر فكان لا يجلس في المكان الذي يقوم له صاحبه عنه عملًا بمقتضى ما تقدم من روايته الحديث الذي أوردناه، ولنقتصر على هذا المقدار من الأنموذج المتعلق بهذه الآية، وإلا فبسطه يحتاج إلى غير هذا الموضع.

وفي الحديث الصحيح: بينا رسول الله جالس إذ أقبل ثلاثة نفر، فأما أحدهم فوجد فرجة في الحلقة فدخل فيها، وأما الآخر فجلس وراء الناس، وأدبر الثالث ذاهبًا فقال رسول الله : "ألا أنبئكم بخبر الثلاثة، أما الأول فآوى إلى الله فآواه الله، وأما الثاني فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه" (٣).

وقال الإمام أحمد: حدثنا عتاب بن زياد، أخبرنا عبد الله، أخبرنا أُسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله قال: "لا يحلُّ لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما" (٤). ورواه أبو داود والترمذي من حديث أُسامة بن زيد الليثي به، وحسنه الترمذي (٥).

وقد روي عن ابن عباس والحسن البصري وغيرهما أنهم قالوا في قوله تعالى: ﴿إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ﴾ يعني: في مجالس الحرب (٦). قالوا: ومعنى قوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا﴾ أي: انهضوا للقتال.

وقال قتادة: ﴿وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا﴾ أي: إذا دعيتم إلى خير فأجيبوا (٧).

وقال مقاتل: إذا دعيتم إلى الصلاة فارتفعوا إليها.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كانوا إذا كانوا عند النبي في بيته فأرادوا الانصراف، أحبَّ كل منهم أن يكون هو آخرهم خروجًا من عنده، فربما يشقُّ ذلك عليه، وقد تكون له الحاجة فأُمروا أنهم إذا أُمروا بالانصراف أن ينصرفوا (٨) كقوله تعالى: ﴿وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا﴾ [النور: ٢٨].

وقوله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ أي: لا


(١) إفناد الناس: أي فرقًا من الناس فرادى بلا إمام. (النهاية ٣/ ٤٧٥).
(٢) تقدم تخريجه قبل روايتين.
(٣) أخرجه الشيخان من حديث أبي واقد الليثي . (صحيح البخاري، العلم، باب من قعد حيث ينتهي به المجلس ح ٦٦، وصحيح مسلم، السلام، باب من أتى مجلسًا فوجد فرجة فجلس فيها ح ٢١٧٦).
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١١/ ٥٧٦، ٥٧٧ ح ٦٩٩٩) وحسن سنده محققوه.
(٥) سنن أبي داود، الأدب، باب في تنزيل الناس منازلهم (ح ٤٨٤٥)، وسنن الترمذي، الأدب، باب ما جاء في كراهية الجلوس بين رجلين بغير إذنهما (ح ٥٧٥٣) وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح سنن أبي داود ح ٤٠٥٤).
(٦) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عن ابن عباس، وأخرجه أيضًا الطبري بسند صحيح من طريق قتادة عن الحسن.
(٧) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح من طريق معمر عن قتادة.
(٨) أخرجه الطبري بسند رجاله ثقات من طريق ابن وهب عن ابن زيد بنحوه، وسنده ضعيف لأنه معضل.