للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تعتقدوا أنه إذا أفسح أحد منكم لأخيه إذا أقبل أو إذا أمر بالخروج فخرج، أن يكون ذلك نقصًا في حقه بل هو رفعة ورتبة عند الله، والله تعالى لا يضيع ذلك له، بل يجزيه بها في الدنيا والآخرة، فإن من تواضع لأمر الله رفع الله قدره ونشر ذكره، ولهذا قال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ أي: خبير بمن يستحق ذلك وبمن لا يستحقه.

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو كامل، حدثنا إبراهيم، حدثنا ابن شهاب، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بن الخطاب بعسفان، وكان عمر استعمله على مكة، فقال له عمر: من استخلفت على أهل الوادي؟ قال: استخلفت عليهم ابن أبزى رجل من موالينا، فقال عمر: استخلفت عليهم مولى؟ فقال: يا أمير المؤمنين إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض قاضٍ، فقال عمر : أما إن نبيكم قد قال: "إن الله يرفع بهذا الكتاب قومًا ويضع به آخرين" (١). وهكذا رواه مسلم من غير وجه عن الزهري به (٢)، وروي من غير وجه عن عمر بنحوه، وقد ذكرت فضل العلم وأهله وما ورد في ذلك من الأحاديث مستقصاة في شرح كتاب العلم من صحيح البخاري، ولله الحمد والمنة.

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٣)﴾.

يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين إذا أراد أحدهم أن يناجي رسول الله ؛ أي: يسارّه فيما بينه وبينه، أن يقدم بين يدي ذلك صدقة تطهره وتزكيه وتؤهله لأن يصلح لهذا المقام، ولهذا قال تعالى: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ﴾ ثم قال تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا﴾ أي: إلا من عجز عن ذلك لفقره ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ فما أمر بها إلا من قدر عليها. ثم قال تعالى: ﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ﴾ أي: أخفتم من استمرار هذا الحكم عليكم من وجوب الصدقة قبل مناجاة الرسول ﴿فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ فنسخ وجوب ذلك عنهم، وقد قيل: إنه لم يعمل بهذه الآية قبل نسخها سوى علي بن أبي طالب .

قال ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: نُهوا عن مناجاة النبي حتى يتصدقوا فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب قدم دينارًا صدقة تصدق به، ثم ناجى النبي ، فسأله عن عشر خصال ثم أُنزلت الرخصة (٣)، وقال ليث بن أبي سُليم: عن مجاهد قال علي : آية في كتاب الله ﷿ لم يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي، كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم، فكنت إذا


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه. (المسند ١/ ٣٥) وسنده صحيح.
(٢) صحيح مسلم، صلاة المسافرين، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه (ح ٨١٧).
(٣) أخرجه الطبري من طريق ابن أبي نجيح به بدون: فسأله عشر خصال، وسنده ضعيف لأن مجاهدًا لم يسمع من علي ولكنه يتقوى بالرواية الموصولة التي أخرجها الحاكم من طريق مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي بنحوه وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. (المستدرك ٢/ ٤٨١، ٤٨٢).