للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

محتجًا بحديث: "قوموا إلى سيدكم" (١)، ومنهم من منع من ذلك محتجًا بحديث: "من أحب أن يتمثل له الرجال قيامًا فليتبوأ مقعده من النار" (٢)، ومنهم من فصل فقال: يجوز عند القدوم من سفر وللحاكم في محل ولايته، كما دلَّ عليه قصة سعد بن معاذ، فإنه لما استقدمه النبي حاكمًا في بني قريظة فرآه مقبلًا قال للمسلمين: "قوموا إلى سيدكم" وما ذاك إلا ليكون أنفذ لحكمه والله أعلم. فأما اتخاذه ديدنًا فإنه من شعار العجم، وقد جاء في السنن أنه لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله ، وكان إذا جاء لا يقومون له لما يعلمون من كراهته لذلك (٣).

وفي الحديث المروي في السنن أن رسول الله كان يجلس حيث انتهى به المجلس، ولكن حيث يجلس يكون صدر ذلك المجلس، فكان الصحابة يجلسون منه على مراتبهم، فالصديق يجلسه عن يمينه وعمر عن يساره، وبين يديه غالبًا عثمان وعلي لأنهما كانا ممن يكتب الوحي، وكان يأمرهما بذلك كما رواه مسلم من حديث الأعمش، عن عمارة بن عُمير، عن أبي معمر، عن أبي مسعود أن رسول الله كان يقول: "ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم، ثم الذي يلونهم" (٤). وما ذاك إلا ليعقلوا عنه ما يقوله صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا أمر أولئك النفر بالقيام ليجلس الذين وردوا من أهل بدر، إما لتقصير أولئك في حق البدريين أو ليأخذ البدريون من العلم نصيبهم، كما أخذ أولئك قبلهم أو تعليمًا بتقديم الأفاضل إلى الأمام.

وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير التيمي، عن أبي معمر، عن أبي مسعود قال: كان رسول الله يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: "استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" قال أبو مسعود: فأنتم اليوم أشد اختلافًا (٥)، وكذا رواه مسلم وأهل السنن إلا الترمذي من طرق عن الأعمش به (٦)، وإذا كان هذا أمره لهم في الصلاة أن يليه العقلاء منهم والعلماء فبطريق الأولى أن يكون ذلك في غير الصلاة.

وروى أبو داود من حديث معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن كثير بن مرة، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله قال: "أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم ولا تذروا فرجات للشياطين ومن وصل صفًا وصله الله، ومن قطع صفًا قطعه الله" (٧). ولهذا كان أُبي بن كعب سيد القراء إذا انتهى إلى الصف الأول انتزع منه رجلًا


(١) أخرجه الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري . (صحيح البخاري، الجهاد، باب إذا نزل العدو على حكم رجل ح ٣٠٤٣، وصحيح مسلم، الجهاد، باب جواز قتال من نقض العهد ح ١٧٦٨).
(٢) أخرجه أبو داود من حديث معاوية (السنن، الأدب، باب في قيام الرجل للرجل ح ٥٢٢٩)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٤٣٥٧).
(٣) أخرجه الترمذي من حديث أنس (السنن، الاستئذان، باب ما جاء في كراهية قيام الرجل للرجل ح ٢٧٥٦) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (ح ٢٢١١).
(٤) أخرجه مسلم من حديث ابن مسعود (الصحيح، الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها .. ح ٤٣٢/ ١٢٣).
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه. (المسند ٤/ ١٢٢) وسنده صحيح.
(٦) صحيح مسلم، الصلاة، باب تسوية الصفوف (ح ٤٣٢).
(٧) سنن أبي داود، الصلاة، باب تسوية الصفوف (ح ٦٦٦) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٦٢٠).