للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي المكان ضيق، وكان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فجاء ناس من أهل بدر وقد سبقوه إلى المجالس، فقاموا حيال رسول الله فقالوا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فردَّ النبي عليهم، ثم سلَّموا على القوم بعد ذلك فردُّوا عليهم، فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم، فعرف النبي ما يحملهم على القيام فلم يفسح لهم، فشقَّ ذلك على النبي فقال: لمن حوله من المهاجرين والأنصار من غير أهل بدر: "قُم يا فلان وأنت يا فلان" فلم يزل يقيمهم بعدة النفر الذين هُم قيام بين يديه من المهاجرين والأنصار أهل بدر، فشقَّ ذلك على من أقيم من مجلسه وعرف النبي الكراهة في وجوههم، فقال المنافقون: ألستم تزعمون أن صاحبكم هذا يعدل بين الناس؟ والله ما رأيناه قد عدل على هؤلاء، إن قومًا أخذوا مجالسهم وأحبوا القرب من نبيهم، فأقامهم وأجلس من أبطأ عنه، فبلغنا أن رسول الله قال: "رحم الله رجلًا يفسح لأخيه" فجعلوا يقومون بعد ذلك سراعًا فيفسح القوم لإخوانهم، ونزلت هذه الآية يوم الجمعة (١). رواه ابن أبي حاتم.

وقد قال الإمام أحمد والشافعي: حدثنا سفيان، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله قال: "لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه فيجلس فيه، ولكن تفسَّحوا وتوسَّعوا". وأخرجاه في الصحيحين من حديث نافع به (٢).

وقال الشافعي: أخبرنا عبد المجيد، عن ابن جريج قال: قال سليمان بن موسى، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله قال: "لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ولكن ليقل: افسحوا" (٣). على شرط السنن ولم يخرجوه.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الملك بن عمرو، حدثنا فليح، عن أيوب، عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن يعقوب بن أبي يعقوب، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن افسحوا يفسح الله لكم" (٤). ورواه أيضًا عن [سُريج] (٥) بن يونس ويونس بن محمد المؤدب، عن فليح به ولفظه: "لا يقوم الرجل للرجل من مجلسه، ولكن افسحوا يفسح الله لكم" (٦). تفرد به أحمد.

وقد اختلف الفقهاء في جواز القيام للوارد إذا جاء على أقوال: فمنهم من رخص في ذلك


(١) عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم، وسنده ضعيف لأنه معضل.
(٢) صحيح البخاري، الاستئذان، باب ﴿إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا. . .﴾ [المجادلة: ١١] (ح ٦٢٧٠) وصحيح مسلم، السلام، باب تحريم إقامة الإنسان من موضعه المباح الذي سبق إليه (ح ٢١٧٧).
(٣) أخرجه الإمام الشافعي (المسند رقم ٦٦٥) وفي سنده سليمان بن موسى صدوق في حديثه بعض لين، وخولط قبل موته. (التقريب ص ٢٥٥) وخالف ما في الصحيحين بتقييده بيوم الجمعة.
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١٦/ ٤٥٣ ح ١٠٧٧٦) وقال محققوه: صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن.
(٥) سُريج: كذا في المسند وفي النسخ الخطية صحف إلى: "شريح".
(٦) أخرجه الإمام أحمد عن سُريج عن فليح به (المسند ١٦/ ١٨٦ ح ١٠٢٦٦) وقال محققوه: صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن، وأخرجه أيضًا عن يونس عن فليح به (المسند ١٤/ ١٧٢ ح ٨٤٦٢) وقال محققوه: إسناده حسن.