للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم قال تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٠)﴾ أي: إنما النجوى وهي: المُسارّة حيث يتوهم مؤمن بها سوءًا ﴿مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يعني: إنما يصدر هذا من المتناجين عن تسويل الشيطان وتزيينه ﴿لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي: ليسوءهم وليس ذلك بضارهم شيئًا إلا بإذن الله، ومن أحسَّ من ذلك شيئًا فليستعذ بالله وليتوكل على الله، فإنه لا يضره شيء بإذن الله.

وقد وردت السنة بالنهي عن التناجي حيث يكون في ذلك تأذ على مؤمن، كما قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع وأبو معاوية قالا: حدثنا الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما فإن ذلك يحزنه" (١). أخرجاه من حديث الأعمش (٢). وقال عبد الرزاق: حدثنا معمر، عن أيوب، عن ابن عمر قال: قال رسول الله : "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه فإن ذلك يحزنه" (٣). انفرد بإخراجه مسلم، عن أبي الربيع وأبي كامل، كلاهما عن حماد بن زيد، عن أيوب به (٤).

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١)﴾.

يقول تعالى مؤدبًا عباده المؤمنين وآمرًا لهم أن يحسن بعضهم إلى بعض في المجالس: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ﴾ وقُرئ (في المجلس) (٥).

﴿فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ﴾ وذلك أن الجزاء من جنمس العمل كما جاء في الحديث الصحيح: "من بنى لله مسجدًا بنى الله له بيتًا في الجنة" (٦) وفي الحديث الآخر: "ومن يسَّر على مُعسِّر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" (٧) ولهذا أشباه كثيرة، ولهذا قال تعالى: ﴿فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ﴾ قال قتادة: نزلت هذه الآية في مجالس الذكر، وذلك أنهم كانوا إذا رأوا أحدهم مقبلًا ضنُّوا بمجالسهم عند رسول الله ، فأمرهم الله تعالى أن يفسح بعضهم لبعض (٨).

وقال مقاتل بن حيان: أُنزلت هذه الآية يوم الجمعة، وكان رسول الله يومئذ في الصُّفة


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١/ ٤٣١) وسنده صحيح.
(٢) صحيح البخاري، الاستئذان، باب إذا كانوا أكثر من ثلاثة فلا بأس بالمسارَّة والمناجاة (ح ٦٢٩٠) وصحيح مسلم، السلام، باب تحريم مناجاة الإثنين دون الثالث بغير رضاه (ح ٢١٨٤).
(٣) أخرجه عبد الرزاق بسنده ومتنه (المصنف ١١/ ٢٦ رقم ١٩٨٠٦) وسنده صحيح.
(٤) صحيح مسلم، الباب السابق (ح ٢١٨٣).
(٥) وهي قراءة متواترة.
(٦) أخرجه البخاري ومسلم من حديث عثمان (صحيح البخاري، الصلاة، باب من بنى لله مسجدًا ح ٤٥٠، وصحيح مسلم، المساجد، باب فضل بناء المساجد والحث عليها ح ٥٣٣).
(٧) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة (الصحيح، الذكر، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن ح ٢١٩٩).
(٨) أخرجه الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة وسنده مرسل.