للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ما قلت، وأصل حديث أنس مخرج في الصحيح (١). وهذا الحديث في الصحيح عن عائشة بنحوه (٢).

وقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ﴾ أي: يفعلون هذا ويقولون ما يحرفون من الكلام وإيهام السلام، وإنما هو شتم في الباطن، ومع هذا يقولون في أنفسهم لو كان هذا نبيًا لعذبنا الله بما نقول له في الباطن لأن الله يعلم ما نسرُّه، فلو كان هذا نبيًا حقًا لأوشك أن يعاجلنا الله بالعقوبة في الدنيا (٣)، فقال الله تعالى: ﴿حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ﴾ أي: جهنم كفايتهم في الدار الآخرة ﴿يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر، أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله : سامٌ عليكم، ثم يقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول؟ فنزلت هذه الآية: ﴿وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾. إسناد حسن ولم يخرجوه.

وقال العوفي، عن ابن عباس ﴿وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ﴾ قال: كان المنافقون يقولون لرسول الله إذا حيوه: سامٌ عليك.

قال الله تعالى: ﴿حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ (٤).

ثم قال الله تعالى مؤدبًا عباده المؤمنين أن لا يكونوا مثل الكفرة والمنافقين: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ﴾ أي: كما يتناجى به الجهلة من كفرة أهل الكتاب ومن مالأهم على ضلالهم من المنافقين ﴿وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ أي: فيخبركم بجميع أعمالكم وأقوالكم التي قد أحصاها عليكم وسيجزيكم بها.

قال الإمام أحمد: حدثنا بهز وعفان قالا: أخبرنا همام، عن قتادة، عن صفوان بن محرز قال: كنت آخِذًا بيد ابن عمر إذ عرض له رجل فقال: كيف سمعت رسول الله -يقول في النجوى يوم القيامة؟ قال: سمعت رسول الله يقول: "إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس ويقرره بذنوبه ويقول له: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته، وأما الكفار والمنافقون فيقول الأشهاد: ﴿هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود: ١٨] " (٥). أخرجاه في الصحيحين من حديث قتادة (٦).


(١) صحيح البخاري، استتابة المرتدين، باب إذا عرَّض الذمي … (ح ٦٩٢٦).
(٢) تقدم تخريجه عن عائشة في الروايات قبل السابقة.
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢/ ١٧٠)، وحسن سنده الحافظ ابن كثير. وقال الهيثمي إسناده جيد (مجمع الزوائد ٧/ ١٥٧).
(٤) أخرجه الطبري بسنده ضعيف من طريق العوفي به، ويتقوى بسابقه.
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢/ ٧٤) وسنده صحيح.
(٦) صحيح البخاري، التفسير، باب ﴿وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا. . .﴾ [هود: ١٨] (ح ٤٦٨٥)، وصحيح مسلم، التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله (ح ٢٧٦٨).