للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

التكذيب (١)، فمعنى قول الحسن هذا وتجعلون حظكم من كتاب الله أنكم تكذبون به ولهذا قال قبله: ﴿أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (٨١) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢)﴾.

﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٨٧)﴾.

يقول تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ﴾ أي: الروح ﴿الْحُلْقُومَ﴾ أي: الحلق وذلك حين الاحتضار، كما قال تعالى: ﴿كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (٣٠)[القيامة] ولهذا قال ههنا: ﴿وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤)﴾ أي: إلى المحتضر وما يكابده من سكرات الموت

﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ﴾ أي: بملائكتنا ﴿وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ﴾ أي: ولكن لا ترونهم، كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (٦٢)[الأنعام].

وقوله تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَهَا﴾ معناه فهلا ترجعون هذه النفس التي قد بلغت الحلقوم إلى مكانها الأول ومقرها من الجسد إن كنتم غير مدينين.

قال ابن عباس: يعني محاسبين (٢)، وروي عن مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك والسدي وأبي حزرة مثله (٣).

وقال سعيد بن جبير والحسن البصري: ﴿فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦)﴾ غير مصدقين (٤) أنكم تدانون وتبعثون وتجزون فردوا هذه النفس.

وعن مجاهد: ﴿غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ غير موقنين (٥).

وقال ميمون بن مهران: غير معذبين مقهورين.

﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (٨٩) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (٩١) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (٩٤) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٩٦)﴾.

هذه الأحوال الثلاثة هي أحوال الناس عند احتضارهم، إما أن يكون من المقربين أو يكون ممن دونهم من أصحاب اليمين، وإما أن يكون من المكذبين بالحق الضالين عن الهدى الجاهلين بأمر الله، ولهذا قال تعالى: ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ﴾ أي: المحتضر ﴿مِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ وهم الذين فعلوا


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به.
(٢) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٣) أخرجه آدم والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عن ابن زيد.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عوف، وهو الأعرابي، عن الحسن.
(٥) عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.