للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا مهران، حدثنا سفيان، عن أبان بن أبي عياش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠)﴾ قال: قال رسول الله : "هما جميعًا من أُمتي" (١).

﴿وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (٤١) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (٤٤) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (٤٨) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٥٣) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (٥٦)﴾.

لما ذكر تعالى حال أصحاب اليمين عطف عليهم بذكر أصحاب الشمال فقال: ﴿وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (٤١)﴾ أي: أيّ شيء هم فيه أصحاب الشمال؟ ثم فسر ذلك فقال: ﴿فِي سَمُومٍ﴾ وهو الهواء الحار ﴿وَحَمِيمٍ﴾ وهو الماء الحار ﴿وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣)﴾ قال ابن عباس: ظل الدخان (٢)، وكذا قال مجاهد وعكرمة وأبو صالح وقتادة والسدي وغيرهم (٣)، وهذه كقوله تعالى: ﴿انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٩) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (٣٠) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (٣١) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (٣٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٤)[المرسلات] ولهذا قال ههنا: ﴿وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣)﴾ وهو الدخان الأسود ﴿لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (٤٤)﴾ أي: ليس طيب الهبوب ولا حسن المنظر كما قال الحسن وقتادة: ﴿وَلَا كَرِيمٍ﴾ أي: ولا كريم المنظر (٤).

قال الضحاك: كل شراب ليس بعذب فليس بكريم (٥).

وقال ابن جرير: العرب تتبع هذه اللفظة في النفي فيقولون: هذا الطعام ليس بطيب ولا كريم، هذا اللحم ليس بسمين ولا كريم. وهذه الدار ليست بنظيفة ولا كريمة (٦). وكذا رواه ابن جرير من طريقين آخرين عن قتادة به نحوه (٧).

ثم ذكر تعالى استحقاقهم لذلك فقال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥)﴾ أي: كانوا في الدار الدنيا منعمين مقبلين على لذات أنفسهم لا يلوون ما جاءتهم به الرسل ﴿وَكَانُوا يُصِرُّونَ﴾ أي: يقيمون ولا ينوون توبة ﴿عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ﴾ وهو الكفر بالله وجعل الأوثان والأنداد أربابًا من دون الله.


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف جدًا لأن أبان بن أبي عاش متروك. (التقريب ص ٨٦).
(٢) أخرجه الطبري بسندين يقوي أحدهما الآخر، وأخرجه أيضًا الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بلفظ: "من دخان جهنم".
(٣) أخرجه الطبري وآدم بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأخرجه الطبري بسند حسن من طريق سماك عن عكرمة، وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٥) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق جويبر عن الضحاك.
(٦) ذكره الطبري بلفظ: "والعرب تتبع كل منفي عنه صفةُ حمد"، نفيَ الكرم عنه.
(٧) أي: الرواية السابقة بلفظ: "ظل الدخان".