للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: ﴿وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (٣١)﴾ قال الثوري: يجري في غير أخدود، وقد تقدم الكلام عند تفسير قوله تعالى: ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾ الآية [محمد: ١٥]. بما أغنى عن إعادته ههنا.

وقوله تعالى: ﴿وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (٣٣)﴾ أي: وعندهم من الفواكه الكثيرة المتنوعة في الألوان مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، كما قال تعالى: ﴿كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا﴾ [البقرة: ٢٥] أي: يشبه الشكل الشكل ولكن الطعم غير الطعم، وفي الصحيحين في ذكر سدرة المنتهى: "فإذا ورقها كآذان الفيلة ونبقها مثل قلال هجر" (١). وفيهما أيضًا من حديث مالك، عن زيد، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس قال: خسفت الشمس فصلى رسول الله والناس معه فذكر الصلاة، وفيه قالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئًا في مقامك هذا ثم رأيناك تكعكعت (٢)، قال: "إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودًا، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا" (٣).

وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا عبيد الله، حدثنا ابن عقيل، عن جابر قال: بينا نحن في صلاة الظهر إذ تقدم رسول الله فتقدمنا معه، ثم تناول شيئًا ليأخذه ثم تأخر، فلما قضى الصلاة قال أُبي بن كعب: يا رسول الله صنعت اليوم في الصلاة شيئًا ما كنت تصنعه، قال: "إنه عرضت علي الجنة وما فيها من الزهرة والنضرة، فتناولت منها قطفًا من عنب لآتيكم به فحيل بيني وبينه، ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقص منه". وروى مسلم من حديث أبي الزبير، عن جابر نحوه (٤).

وقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن بحر، حدثنا هشام بن يوسف، أخبرنا معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن عامر بن زيد البكالي أنه سمع عتبة بن عبد السلمي يقول: جاء أعرابي إلى رسول الله ، فسأله عن الحوض وذكر الجنة ثم قال الأعرابي: فيها فاكهة؟ قال: "نعم وفيها شجرة تدعى طوبى". قال: فذكر شيئًا لا أدري ما هو، قال: أي شجر أرضنا تشبه؟ قال: "ليست تشبه شيئًا من شجر أرضك؟ " فقال النبي "أتيت الشام؟ " قال: لا. قال: "تشبه شجرة بالشام تدعى الجوزة تنبت على ساق واحدة وينفرش أعلاها". قال: ما عظم العنقود؟ قال: "مسيرة شهر للغراب الأبقع لا يفتر". قال: ما عظم أصلها؟ قال: "لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرمًا" قال: فيها عنب؟ قال: "نعم" قال: فما عظم الحبة؟ قال: "هل ذبح أبوك تيسًا من غنمه قط عظيمًا؟ " قال: نعم، قال: "فسلخ إهابه فأعطاه أمك فقال اتخذي لنا منه دلوًا؟ " قال: نعم. قال الأعرابي: فإن تلك الحبة لتشبعني وأهل بيتي؟ قال: "نعم وعامة عشيرتك" (٥).

وقوله تعالى: ﴿لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (٣٣)﴾ أي: لا تنقطع شتاء ولا صيفًا بل أكلها دائم مستمر أبدًا، مهما طلبوا وجدوا لا يمتنع عليهم بقدرة الله شيء.


(١) تقدم تخريجه في بداية تفسير سورة الإسراء.
(٢) أي: احجمت.
(٣) صحيح البخاري، الأذان، باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة (ح ٧٤٨) وصحيح مسلم، الكسوف، باب ما عرض على النبي في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار (ح ٩٠٧).
(٤) تقدم تخريجه في تفسير سورة الرعد آية ٣٥.
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢٩/ ١٩١، ١٩٢ ح ١٧٦٤٢) وقال محققوه: إسناده قابل للتحسين.