للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: ﴿كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣)﴾ أي: كأنهن اللؤلؤ الرطب في بياضه وصفائه كما تقدم في سورة الصافات ﴿كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (٤٩)[الصافات] وقد تقدم في سورة الرحمن وصفهن أيضًا، ولهذا قال: ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤)﴾ أي: هذا الذي أتحفناهم به مجازاة لهم على ما أحسنوا من العمل.

ثم قال تعالى: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (٢٥) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (٢٦)﴾ أي: لا يسمعون في الجنة كلامًا لاغيًا؛ أي: عبثًا خاليًا من المعنى أو مشتملًا على معنى حقير أو ضعيف كما قال: ﴿لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (١١)[الغاشية] أي: كلمة لاغية.

﴿وَلَا تَأْثِيمًا﴾ أي: ولا كلامًا فيه قبح ﴿إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (٢٦)﴾ أي: إلا التسليم منهم بعضهم على بعض كما قال تعالى: ﴿تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾ [إبراهيم: ٢٣] وكلامهم أيضًا سالم من اللَّغو والإثم.

﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (٢٧) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (٣١) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (٣٣) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (٣٤) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (٣٥) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (٣٦) عُرُبًا أَتْرَابًا (٣٧) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (٣٨) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠)﴾.

لما ذكر تعالى مآل السابقين وهم المقربون، عطف عليهم بذكر أصحاب اليمين وهم الأبرار، كما قال ميمون بن مهران أصحاب اليمين منزلتهم دون المقربين فقال: ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (٢٧)﴾ أي: أي شيء أصحاب اليمين وما حالهم وكيف مآلهم. ثم فسر ذلك فقال تعالى: ﴿فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨)﴾ قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد وابن الأحوص وقسامة بن زهير و [السفر بن نسير] (١)، والحسن وقتادة وعبد الله بن كثير والسدي وأبو حزرة وغيرهم: هو الذي لا شوك فيه (٢).

وعن ابن عباس: هو الموقر بالثمر، وهو رواية عن عكرمة ومجاهد (٣)، وكذا قال قتادة أيضًا: كنا نحدث أنه الموقر الذي لا شوك به (٤)، والظاهر أن المراد هذا وهذا، فإن سِدر الدنيا كثير الشوك قليل الثمر، وفي الآخرة على العكس من هذا لا شوك فيه وفيه الثمر الكثير الذي قد أثقل أصله، كما قال الحافظ أبو بكر أحمد بن سلمان النجّاد، حدثنا محمد بن محمد هو البغوي، حدثني حمزة بن العباس، حدثنا عبد الله بن عثمان، حدثنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا صفوان بن عمرو، عن سليم بن عامر قال: كان أصحاب رسول الله يقولون: إن الله لينفعنا بالأعراب ومسائلهم، قال: أقبل أعرابي يومًا فقال: يا رسول الله ذكر الله في الجنة شجرة تؤذي صاحبها،


(١) السفر بن نسير كذا في الطبري وترجمته في التقريب ص ٢٤٣ وفي الأصل: "السفر بن قيس".
(٢) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وأخرجه هناد (الزهد رقم ١٠٩) والطبري بسند صحيح من طريق حبيب بن أبي ثابت عن عكرمة وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عوف الأعرابي عن قسامة بن زهير، وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن قتادة.
(٣) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.