للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إلا أنت برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا إلى أحد من خلقك.

وقال الشعبي: إذا قرأت ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦)﴾ فلا تسكت حتى تقرأ ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (٢٧)(١) وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص: ٨٨] وقد نَعتَ تعالى وجهه الكريم في هذه الآية بأنه ذو الجلال والإكرام؛ أي: هو أهل أن يُجلَّ فلا يعصى، وأن يطاع فلا يخالف، كقوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الكهف: ٢٨] وكقوله إخبارًا عن المتصدقين: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ﴾ [الإنسان: ٩].

قال ابن عباس: ﴿ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ ذو العظمة والكبرياء (٢).

ولما أخبر تعالى عن تساوي أهل الأرض كلهم في الوفاة، وأنهم سيصيرون إلى دار الآخرة فيحكم فيهم ذو الجلال والإكرام بحكمه العدل قال: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٨)﴾.

وقوله تعالى: ﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩)﴾ وهذا إخبار عن غناه عما سواه وافتقار الخلائق إليه في جميع الآنات وأنهم يسألونه بلسان حالهم وقالهم وأنه كل يوم هو في شأن.

قال الأعمش، عن مجاهد، عن عبيد بن عمير ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ قال من شأنه أن يجيب داعيًا أو يعطي سائلًا، أو يفك عانيًا أو يشفي سقيمًا (٣).

وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: كل يوم هو يجيب داعيًا ويكشف كربًا ويجيب مضطرًا ويغفر ذنبًا (٤). وقال قتادة: لا يستغني عنه أهل السماوات والأرض يحيي حيًا ويميت ميتًا، ويربي صغيرًا ويفك أسيرًا وهو منتهى حاجات الصالحين وصريخهم ومنتهى شكواهم (٥).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو اليمان الحمصي، حدثنا جرير بن عثمان، عن سويد بن جبلة هو: الفزاري قال: إن ربكم كل يوم هو في شأن فيعتق رقابًا، ويعطي رغابًا، ويقحم عقابًا (٦).

وقال ابن جرير: حدثني عبد الله بن محمد بن عمرو الغزي، حدثني إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي، حدثني عمرو بن بكر السكسكي، حدثنا الحارث بن عبدة بن رباح الغساني، عن أبيه، عن مُنيب بن عبد الله بن مُنيت الأزدي، عن أبيه قال: تلا رسول الله هذه الآية ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ فقلنا: يا رسول الله وما ذاك الشأن؟ قال: "أن يغفر ذنبًا، ويفرج كربًا،


(١) عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه الطبري في آخر سورة الرحمن بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق منصور عن مجاهد به، وأخرجه أيضًا من طريق الأعمش به ويتقوى بسابقه.
(٤) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٥) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بنحوه.
(٦) يشهد له ما سبق عن مجاهد وقتادة.