للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن عبد الله بن عبد الله، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: إذا أمطرت السماء فتحت الأصداف في البحر أفواهها فما وقع فيها؛ يعني: من قطر فهو اللؤلؤ (١). إسناده صحيح.

ولما كان اتخاذ هذه الحلية نعمة على أهل الأرض، امتنَّ بها عليهم فقال: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٣)﴾.

وقوله تعالى: ﴿وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ﴾ يعني: السفن التي تجري ﴿فِي الْبَحْرِ﴾.

قال مجاهد: ما رفع قلعه من السفن فهي منشآت وما لم يرفع قلعه فليس بمنشآت (٢).

وقال قتادة: ﴿الْمُنْشَآتُ﴾ يعني: المخلوقات (٣).

وقال غيره، المنشِآت - بكسر الشين (٤) - يعني: البادئات (٥).

﴿كَالْأَعْلَامِ﴾ أي: كالجبال في كبرها وما فيها من المتاجر والمكاسب المنقولة من قطر إلى قطر وإقليم إلى إقليم، مما فيه صلاح الناس في جلب ما يحتاجون إليه من سائر أنواع البضائع، ولهذا قال: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٥)﴾.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا [العيزار بن سويد، عن عميرة بن سعد] (٦) قال: كنت مع علي بن أبي طالب على شاطئ الفرات إذ أقبلت سفينة مرفوع شراعها فبسط علي يديه ثم قال: يقول الله ﷿: ﴿وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (٢٤)﴾ والذي أنشأها تجري في بحوره ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله (٧).

﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (٢٧) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٨) يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٠)﴾.

يخبر تعالى أن جميع أهل الأرض سيذهبون ويموتون أجمعون، وكذلك أهل السماوات إلا من شاء الله ولا يبقى أحد سوى وجهه الكريم، فإن الربَّ تعالى وتقدس لا يموت بل هو الحي الذي لا يموت أبدًا.

قال قتادة: أنبأ بما خلق ثم أنبأ أن ذلك كله فانٍ.

وفي الدعاء المأثور: يا حي يا قيوم يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام، لا إله


(١) تقدم تخريجه عن الطبري في الروايتين السابقتين، وصحح سنده الحافظ ابن كثير هنا.
(٢) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة.
(٤) وهي قراءة متواترة.
(٥) أي: الظاهرات السير اللاتي يُقبلن ويدبرن. كذا ذكره الطبري.
(٦) كذا في (ح) وفي الأصل صحف إلى: "العرار بن سويد عن عمرة بن سويد" والتصويب من ترجمة عميرة بن سعد.
(٧) في سنده عميرة بن سعد وهو الهمداني: مقبول. (التقريب ص ٤٣٢).