للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٨٨) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا﴾ [يونس: ٨٨، ٨٩] وهكذا قال ههنا: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (٢٢)﴾ فعند ذلك أمره الله تعالى أن يخرج ببني إسرائيل من بين أظهرهم من غير أمر فرعون ومشاورته واستئذانه ولهذا قال: ﴿فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٢٣)﴾ كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (٧٧)[طه].

وقوله ههنا: ﴿وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (٢٤)﴾ وذلك أن موسى لما جاوز هو وبنو إسرائيل البحر، أراد موسى أن يضربه بعصاه حتى يعود كما كان، ليصير حائلًا بينهم وبين فرعون فلا يصل إليهم، فأمره الله تعالى أن يتركه على حاله ساكنًا وبشره بأنهم جند مغرقون فيه وأنه لا يخاف دركًا ولا يخشى.

وقال ابن عباس: ﴿وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا﴾ كهيئته وامضه (١).

وقال مجاهد: رهوًا طريقًا يبسًا كهيئته (٢). يقول: لا تأمره يرجع اتركه حتى يرجع آخرهم، وكذا قال عكرمة والربيع بن أنس والضحاك وقتادة وابن زيد، وكعب الأحبار وسماك بن حرب وغير واحد (٣).

ثم قال تعالى: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ﴾ وهي البساتين ﴿وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ﴾ والمراد بها الأنهار والآبار ﴿وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾ وهي المساكن الأنيقة والأماكن الحسنة.

وقال مجاهد وسعيد بن جبير: ﴿وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾ المنابر (٤).

وقال ابن لهيعة: عن وهب بن عبد الله المعافري، عن عبد الله بن عمرو قال: نيل مصر سيد الأنهار سخر الله تعالى له كل نهر بين المشرق والمغرب وذلله له، فإذا أراد الله أن يجري نيل مصر أمر كل نهر أن يمده فأمدته الأنهار بمائها، وفجر الله له الأرض عيونًا، فإذا انتهى جريه إلى ما أراد الله جل وعلا أوحى الله تعالى إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره (٥). وقال في قول الله تعالى: ﴿كَمْ تَرَكُوا (٦) مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (٢٧)﴾ قال: كانت الجنان بحافتي هذا النيل من أوله إلى آخره في الشقين جميعًا، ما بين أسوان إلى رشيد، وكان له تسع خُلُج: خليج الإسكندرية، وخليج دمياط، وخليج سردوس، وخليج منف، وخليج الفيوم، وخليج المنهى متصلة لا ينقطع منها شيء عن شيء، وزروع ما بين الجبلين


(١) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بلفظ: "سمتًا". اهـ. أي: طريقًا.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٣) قول عكرمة وسماك أخرجه الطبري بسند حسن من طريق شعبة عن سماك عن عكرمة، وقول الضحاك أخرجه البستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عنه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة، وقول ابن زيد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عنه.
(٤) أخرجه البستي بسند حسن من طريق إسماعيل بن أُمية عن مجاهد، وأخرجه الطبري بسند جيد من طريق سالم الأفطس عن سعيد بن جبير.
(٥) في سنده عبد الله بن وهب فيه مقال وفيه تدليس لم يقبل إلا إذا صرح بالسماع وقد عنعنه.
(٦) في الأصل و (مح) و (حم): بلفظ: "فأخرجناهم". اهـ. وهو خلط مع سورة الشعراء آية ٥٧.