للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كله من أول مصر إلى آخر ما يبلغه الماء، وكانت جميع أرض مصر تروى من ستة عشر ذراعًا لما قدروا ودبروا من قناطرها وجسورها وخلجها (١).

﴿وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (٢٧)﴾ أي: عيشة كانوا يتفكهون فيها فيأكلون ما شاؤوا ويلبسون ما أحبوا مع الأموال والجاهات والحكم في البلاد، فسلبوا ذلك جميعه في صبيحة واحدة وفارقوا الدنيا وصاروا إلى جهنم وبئس المصير، واستولى على البلاد المصرية وتلك الحواصل الفرعونية والممالك القبطية بنو إسرائيل كما قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩)[الشعراء]. وقال في موضع آخر: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (١٣٧)[الأعراف].

وقال ههنا: ﴿كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (٢٨)﴾ وهم بنو إسرائيل كما تقدم.

وقوله تعالى: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ﴾ أي: لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد في أبواب السماء فتبكي على فقدهم، ولا لهم في الأرض بقاع عبدوا الله تعالى فيها فقدتهم، فلهذا استحقوا أن لا ينظروا ولا يؤخروا لكفرهم وإجرامهم وعتوهم وعنادهم.

قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا أحمد بن إسحاق البصري، حدثنا مكي بن إبراهيم، حدثنا موسى بن عبيدة، حدثني يزيد الرقاشي، حدثني أنس بن مالك ، عن النبي قال: "ما من عبد إلا وله في السماء بابان: باب يخرج منه رزقه، وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه". وتلا هذه الآية ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ﴾ وذكر أنهم لم يكونوا عملوا على الأرض عملًا صالحًا يبكي عليهم، ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب ولا عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم (٢). ورواه ابن أبي حاتم من حديث موسى بن عبيدة وهو الربذي (٣).

وقال ابن جرير: حدثني يحيى بن طلحة، حدثني عيسى بن يونس، عن صفوان بن عمرو، عن شريح بن عبيد الحضرمي قال: قال رسول الله : "إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ. ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض" ثم قرأ رسول الله ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ﴾ ثم قال: "إنهما لا يبكيان على الكافر" (٤).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عصام، حدثنا أبو أحمد يعني الزبيري، حدثنا العلاء بن صالح، عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبد الله قال: سأل رجل عليًّا هل تبكي السماء والأرض على أحد؟ فقال له: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من قبلك، إنه ليس من


(١) الخبر تتمة لسابقه.
(٢) مسند أبي يعلى ٧/ ١٦٠ وسنده ضعيف لضعف موسى والرقاشي.
(٣) سنده كسابقه.
(٤) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لإرساله، ومطلعه له شواهد صحيحة.