للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الآية إنما دلَّت على عذاب الكفار في البرزخ ولا يلزم من ذلك أن يعذب المؤمن في قبره بذنب.

ومما يدل على ذلك ما رواه الإمام أحمد: حدثنا عثمان بن عمر، حدثنا يونس، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أن رسول الله دخل عليها وعندها امرأة من اليهود وهي تقول: أشعرت أنكم تفتنون في قبوركم، فارتاع رسول الله وقال: "إنما يفتن يهود" قالت عائشة : فلبثنا ليالي ثم قال رسول الله : "ألا إنكم تفتنون في القبور" وقالت عائشة : فكان رسول الله بعد يستعيذ من عذاب القبر (١)، وهكذا رواه مسلم عن هارون بن سعيد وحرملة كلاهما عن ابن وهب، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن الزهري به (٢).

وقد يقال إن هذه الآية دلَّت على عذاب الأرواح في البرزخ ولا يلزم من ذلك أن يتصل في الأجساد في قبورها، فلما أُوحي إلى النبي في ذلك بخصوصه استعاذ منه، والله أعلم.

وقد روى البخاري من حديث شعبة، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة أن يهودية دخلت عليها فقالت: نعوذ بالله من عذاب القبر فسألت عائشة رسول الله عن عذاب القبر فقال : "نعم عذاب القبر حق" قالت عائشة : فما رأيت رسول الله بعد صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر (٣). فهذا يدل على أنه بادرَ إلى تصديق اليهودية في هذا الخبر وقرَّر عليه، وفي الأخبار المتقدمة أنه أنكر ذلك حتى جاءه الوحي فلعلهما قضيتان والله سبحانه أعلم وأحاديث عذاب القبر كثيرة جدًا.

وقال قتادة في قوله تعالى: ﴿غُدُوًّا وَعَشِيًّا﴾: صباحًا ومساء ما بقيت الدنيا يقال لهم يا آل فرعون هذه منازلكم توبيخًا ونقمة وصغارًا لهم (٤).

وقال ابن زيد: هم فيها اليوم يغدى بهم ويراح إلى أن تقوم الساعة.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد، حدثنا المحاربي، حدثنا ليث، عن عبد الرحمن بن ثروان، عن هذيل، عن عبد الله بن مسعود قال: إن أرواح الشهداء في أجواف طيور خضر تسرح بهم في الجنة حيث شاؤوا، وإن أرواح وِلدان المؤمنين في أجواف عصافير تسرح في الجنة حيث شاءت فتأوي إلى قناديل معلقة في العرش، وإن أرواح آل فرعون في أجواف طيور سود تغدو على جهنم وتروح عليها فذلك عرضها (٥)، وقد رواه الثوري، عن أبي قيس، عن الهذيل بن شرحبيل من كلامه في أرواح آل فرعون (٦)، وكذلك قال السدي (٧).


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤٣/ ٢١٠ ح ٢٦١٠٥) وصحح سنده محققوه.
(٢) صحيح مسلم، المساجد، باب استحباب التعوذ من فتنة القبر (ح ٥٨٤).
(٣) صحيح البخاري، الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر (ح ١٣٧٢).
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٥) أخرجه عبد الرزاق من طريق الثوري عن عبد الرحمن بن ثروان به بدون ذكر ابن مسعود، والشطر الأول له شاهد في صحيح مسلم تقدم في تفسير سورة آل عمران آية ١٦٩، وأما الشطر الثاني الذي يذكر آل فرعون فإنه غريب وتارة يرويه هذيل عن ابن مسعود وتارة من كلامه كما سيأتي في رواية الثوري.
(٦) تقدم تخريجه عن عبد الرزاق في الرواية السابقة.
(٧) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي لكنه من الأمور الغيبية التي لا تؤخذ إلا من الوحي.