للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فيقولون: ماذا نسألك أي ربّ؟ قال: بلى سلوني، قالوا: نسألك أي ربّ رضاك، قال: رضائي أحلكم دار كرامتي، قالوا: يا ربّ فما الذي نسألك، فوعزَّتك وجلالك وارتفاع مكانك لو قسمت علينا رزق الثقلين لأطعمناهم ولأسقيناهم ولألبسناهم ولأخدمناهم لا ينقصنا ذلك شيئًا. قال تعالى: إن لديَّ مزيدًا، قال: فيفعل ذلك بهم في درجهم حتى يستوي في مجلسه، قال: ثم تأتيهم التحف من الله ﷿، تحملهم إليهم الملائكة، ثم ذكر نحوه (١). وهذا خبر غريب، أورده ابن جرير من طرق.

﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عما يؤول إليه الكفار يوم القيامة من أمره لهم أن يمتازوا بمعنى يميزون عني المؤمنين في موقفهم، كقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ﴾ [يونس: ٢٨]، وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤)[الروم]، ﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ [الروم: ٤٣] أي: يصيرون صدعين فرقتين ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (٢٣)[الصافات].

وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠)﴾ هذا تقريع من الله تعالى للكفرة من بني آدم، الذين أطاعوا الشيطان وهو عدو لهم مبين، وعصوا الرحمن وهو الذي خلقهم ورزقهم، ولهذا قال تعالى: ﴿وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١)﴾ أي: قد أمرتكم في دار الدنيا بعصيان الشيطان، وأمرتكم بعبادتي، وهذا هو الصراط المستقيم، فسلكتم غير ذلك واتبعتم الشيطان فيما أمركم به ولهذا قال: ﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا﴾ يقال: جِبلًّا - بكسر الجيم وتشديد اللام -، ويقال: جُبُلًا - بضم الجيم والباء وتخفيف اللام - (٢)، ومنهم من يسكن الباء، والمراد بذلك الخلق الكثير، قاله مجاهد وقتادة والسدي وسفيان بن عيينة (٣).

وقوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ﴾ أي: أفما كان لكم عقل في مخالفة ربكم فيما أمركم به من عبادته وحده لا شريك له، وعدولكم إلى اتباع الشيطان.

قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن إسماعيل بن رافع، عمن حدثه، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة أن رسول الله قال "إذا كان يوم القيامة، أمر الله تعالى جهنم، فيخرج منها عنق ساطع مظلم يقول: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢)﴾ ﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده مرسل.
(٢) القراءتان متواترتان.
(٣) قول مجاهد أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول سفيان بن عيينه، أخرجه البُستي بسند صحيح من طريق ابن أبي عمر العدني عنه.