للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يدي ربها ﷿، فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها، وكأنها قد قيل لها ارجعي من حيث جئت، فترجع إلى مطلعها وذلك مستقرها، ثم قرأ: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا﴾.

وقال سفيان الثوري: عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول الله لأبي ذرٍّ حين غربت الشمس: "أتدري أين تذهب؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال : "فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد، فلا يقبل منها؟ وتستأذن فلا يؤذن لها، ويقال لها ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨)﴾ " (١).

وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق، عن وهب بن جابر، عن عبد الله بن عمرو ، قال: في قوله تعالى: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا﴾ قال: إن الشمس تطلع فتردّها ذنوب بني آدم، حتى إذا غربت سلَّمت وسجدت واستأذنت فيؤذن لها، حتى إذا كانت يوم غربت فسلمت وسجدت واستأذنت فلا يؤذن لها، فتقول إن المسير بعيد، وإني إن لا يؤذن لي لا أبلغ فتحبس ما شاء الله أن تحبس، ثم يقال لها: اطلعي من حيث غربت، قال: فمن يومئذٍ إلى يوم القيامة لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرًا (٢). وقيل: المراد بمستقرها هو انتهاء سيرها، وهو غاية ارتفاعها في السماء في الصيف وهو أوجها، ثم غاية انخفاضها في الشتاء وهو الحضيض.

والقول الثاني: أن المراد بمستقرها هو منتهى سيرها وهو يوم القيامة، يبطل سيرها وتسكن حركتها وتكور، وينتهي هذا العالم إلى غايته، وهذا هو مستقرها الزماني.

قال قتادة: ﴿لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا﴾ أي: لوقتها ولأجل لا تعدوه (٣)، وقيل: المراد أنها لا تزال تنتقل في مطالعها الصيفية إلى مدة لا تزيد عليها، ثم تنتقل في مطالع الشتاء إلى مدة لا تزيد عليها، يروى هذا عن عبد الله بن عمرو (٤).

وقرأ ابن مسعود وابن عباس : "والشمس تجري لا مستقر لها" (٥)؛ أي: لا قرار لها ولا سكون، بل هي سائرة ليلًا ونهارًا، لا تفتر ولا تقف، كما قال : ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ﴾ [إبراهيم: ٣٣] أي: لا يفتران ولا يقفان إلى يوم القيامة ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ﴾ أي: الذي لا يخالف ولا يمانع ﴿الْعَلِيمِ﴾ بجميع الحركات والسكنات، وقد قدر ذلك ووقته على منوال لا اختلاف فيه ولا تعاكس، كما قال ﷿: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا


(١) أخرجه البخاري من طريق الثوري به (الصحيح، كتاب بدء الخلق، باب صفة الشمس والقمر ح ٣١٩٩).
(٢) أخرجه عبد الرزاق بسنده ومتنه، وفي متنه بعض ما يخالف الرواية الصحيحة المتقدمة، ولعله من قِبل وهب بن جابر فإنه مقبول (التقريب ص ٥٨٤).
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٤) عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم وأبي الشيخ في كتاب "العظمة" وهو كما قال فقد أخرجه أبو الشيخ برقم ٦٤٠.
(٥) وهي قراءة شاذة تفسيرية ونسب هذه القراءة السيوطي إلى أبي عبيد في فضائله وأحمد وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عباس، وقد نقل القرطبي ردَّ ابن الأنباري على من نسب هذه القراءة إلى ابن عباس وابن مسعود (الجامع لأحكام القرآن ١٥/ ٢٨).