للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهذا بضيائه، وجعلهما يتعاقبان يجيء هذا فيذهب هذا، ويذهب هذا فيجيء هذا، كما قال تعالى: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾ [الأعراف: ٥٤] ولهذا قال ههنا: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ﴾ أي: نصرمه منه، فيذهب فيقبل الليل، ولهذا قال : ﴿فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ﴾ كما جاء في الحديث: "إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم" (١). هذا هو الظاهر من الآية، وزعم قتادة أنها كقوله تعالى: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ (٢) [الحج: ٦١]، وقد ضعَّف ابن جرير قول قتادة ههنا، وقال: إنما معنى الإيلاج الأخذ من هذا في هذا، وليس هذا مرادًا في هذه الآية (٣)، وهذا الذي قاله ابن جرير حق.

وقوله: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨)﴾ في معنى قوله: ﴿لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا﴾ قولان: أحدهما: أن المراد مستقرها المكاني، وهو تحت العرش مما يلي الأرض من ذلك الجانب، وهي أينما كانت فهي تحت العرش هي وجميع المخلوقات؛ لأنه سقفها، وليس بكرة كما يزعمه كثير من أرباب الهيئة، وإنما هو قبة ذات قوائم تحمله الملائكة، وهو فوق العالم مما يلي رؤوس الناس، فالشمس إذا كانت في قبة الفلك وقت الظهيرة تكون أقرب ما تكون إلى العرش، فماذا استدارت في فلكها الرابع إلى مقابلة هذا المقام وهو وقت نصف الليل، صارت أبعد ما تكون إلى العرش، فحينئذٍ تسجد وتستأذن في الطلوع كما جاءت بذلك الأحاديث:

قال البخاري: حدثنا أبو نعيم، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذرٍّ قال: كنت مع النبي في المسجد عند غروب الشمس، فقال : "يا أبا ذرّ أتدري أين تغرب الشمس؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال : "فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فذلك قوله تعالى: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨)﴾ " (٤).

حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي، حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذرٍّ : قال: سألت رسول الله عن قوله : ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا﴾ قال : "مستقرها تحت العرش" (٥). هكذا أورده ههنا، وقد أخرجه في أماكن متعددة، ورواه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من طرق عن الأعمش به.

وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذرٍّ قال: كنت مع رسول الله في المسجد حين غربت الشمس، فقال : "يا أبا ذرّ أتدري أين تذهب الشمس؟ " (٦) قلت: الله ورسوله أعلم، قال : "فإنها تذهب حتى تسجد بين


(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة البقرة آية ١٨٧.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٣) ذكره الطبري بنحوه.
(٤) أخرجه البخاري بسنده ومتنه (الصحيح، التفسير، سورة يس، باب ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا. . .﴾ [يس: ٣٨] ح ٤٨٠٢).
(٥) المصدر السابق (ح ٤٨٠٣).
(٦) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٥/ ١٥٢) وسنده صحيح.