للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٩٦)[الأنعام] وهكذا ختم آية حم السجدة بقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾.

ثم قال: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ﴾ أي: جعلناه يسير سيرًا آخر يستدل به على مضي الشهور، كما أن الشمس يعرف بها الليل والنهار، كما قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٨٩].

وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ الآية [يونس: ٥]، وقال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (١٢)[الإسراء] فجعل الشمس لها ضوء يخصها، والقمر له نور يخصه، وفاوت بين سير هذه وهذا، فالشمس تطلع كل يوم وتغرب في آخره على ضوء واحد، ولكن تنتقل في مطالعها ومغاربها صيفًا وشتاء، يطول بسبب ذلك النهار ويقصر الليل، ثم يطول الليل ويقصر النهار، وجعل سلطانها بالنهار فهي كوكب نهاري، وأما القمر فقدره منازل يطلع في أول ليلة من الشهر ضئيلا قليل النور، ثم يزداد نورًا في الليلة الثانية ويرتفع منزلة، ثم كلما ارتفع ازداد ضياءً وإن كان مقتبسًا من الشمس حتى يتكامل نوره في الليلة الرابعة عشرة، ثم يشرع في النقص إلى آخر الشهر حتى يصير كالعرجون القديم.

قال ابن عباس : وهو أصل العذق (١).

وقال مجاهد: العرجون القديم أي: العذق اليابس (٢).

يعني ابن عباس : أصل العنقود من الرطب إذا عتق (٣) ويبس وانحنى، وكذا قال غيرهما، ثم بعد هذا يبديه الله تعالى جديدًا أول الشهر الآخر، والعرب تسمي كل ثلاث ليال من الشهر باسم باعتبار القمر، فيسمون الثلاث الأول: غُرَر، واللواتي بعدها: نُقَل واللواتي بعدها: تُسَع؛ لأن أخراهن التاسعة واللواتي بعدها: عُشَر؛ لأن أولاهن العشرة، واللواتي بعدها البيض؛ لأن ضوء القمر فيهن إلى آخرهن، واللواتي بعدهن: دُرع جمع درعاء؛ لأن أولهن أسود لتأخر القمر في أولهن منه، ومنه الشاة الدرعاء وهي التي رأسها أسود، وبعدهن ثلاث ظلم، ثم ثلاث حنادس، وثلاث [دآدئ] (٤) وثلاث محاق لانمحاق القمر أواخر الشهر فيهن. وكان أبو عبيدة ينكر التسع والعشر. كذا قال في كتاب (غريب المصنف).

وقوله تعالى: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ﴾ قال مجاهد: لكل منهما حد لا يعدوه ولا يقصر دونه (٥)، إذا جاء سلطان هذا ذهب هذا، وإذا ذهب سلطان هذا جاء سلطان هذا.


(١) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٢) أخرجه الطبري بسند جيد من طريق أبي يحيى القتات عن مجاهد.
(٣) أي: القديم.
(٤) كذا في (مح)، وفي الأصل صحف إلى داري، وفي (حم) صحف إلى: دراري. والمثبت هو الصواب لأن الدآدي هي ثلاث ليال من آخر الشهر قبل ليالي المحاق. (ينظر لسان العرب باب دأدأ).
(٥) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بمعناه.