للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ينتضلون، فقال: "ارموا بني إسماعيل؟ فإن أباكم كان راميًا" (١). فأسلم قبيلة من الأنصار - والأنصار أوسها وخزرجها من غسان من عرب اليمن من سبأ - نزلوا بيثرب لما تفرقت سبأ في البلاد حين بعث الله ﷿ عليهم سيل العرم، ونزلت طائفة منهم بالشام، وإنما قيل: باليمن، وقيل لهم غسان بماء نزلوا عليه قيل: إنه قريب من المشلل، كما قال حسان بن ثابت :

إما سألت فإنا معشر نجب … الأزد نسبتنا والماء غسان (٢)

ومعنى قوله : "ولد له عشرة من العرب"؛ أي: كان من نسله هؤلاء العشرة الذين يرجع إليهم أصول القبائل من عرب اليمن لا أنهم ولدوا من صلبه، بل منهم من بينه وبينه الأبوان والثلاثة، والأقل والأكثر، كما هو مقرر مبين في مواضعه من كتب النسب. ومعنى قوله : "فتيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة"؛ أي: بعد ما أرسل الله تعالى عليهم سيل العرم، منهم من أقام ببلادهم، ومنهم من نزح عنها إلى غيرها. وكان من أمر السد أنه كان الماء يأتيهم من بين جبلين. وتجتمع إليه أيضًا سيول أمطارهم وأوديتهم، فعمد ملوكهم الأقادم فبنوا بينهما سدًا عظيمًا محكمًا، حتى ارتفع الماء وحكم على حافات ذينك الجبلين، فغرسوا الأشجار واستغلوا الثمار في غاية ما يكون من الكثرة والحسن، كما ذكر غير واحد من السلف منهم قتادة أن المرأة كانت تمشي تحت الأشجار، وعلى رأسها مكتل أو زنبيل وهو الذي تخترف فيه الثمار، فيتساقط من الأشجار في ذلك ما يملؤه من غير أن يحتاج إلى كلفة ولا قطاف لكثرته ونضجه واستوائه، وكان هذا السد بمأرب. بلدة بينها وبين صنعاء ثلاث مراحل، ويعرف بسد مأرب، وذكر آخرون أنه لم يكن ببلدهم شيء من الذباب ولا البعوض ولا البراغيث، ولا شيء من الهوام، وذلك لاعتدال الهواء وصحة المزاج وعناية الله بهم ليوحدوه ويعبدوه، كما قال : ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ﴾ ثم فسرها بقوله ﷿: ﴿جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ﴾ أي: من ناحيتي الجبلين والبلدة بين ذلك ﴿كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ أي: غفور لكم إن استمررتم على التوحيد.

وقوله تعالى: ﴿فَأَعْرَضُوا﴾ أي: عن توحيد الله وعبادته وشكره على ما أنعم به عليهم، وعدلوا إلى عبادة الشمس من دون الله، كما قال الهدهد لسليمان ﴿وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (٢٤)[النمل].

وقال محمد بن إسحاق، عن وهب بن منبه: بعث الله تعالى إليهم ثلاثة عشر نبيًا (٣).

وقال السدي: أرسل الله ﷿ إليهم اثني عشر ألف نبي، والله أعلم (٤).

وقوله تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ المراد بالعرم المياه، وقيل: الوادي، وقيل: الجرذ،


(١) أخرجه البخاري من حديث سلمة بن الأكوع (صحيح البخاري، المناقب، باب نسبة اليمن إلى إسماعيل ح ٣٥٠٧).
(٢) ديوان حسان ٢٥١ واستشهد به ابن هشام في السيرة ١/ ١٠١.
(٣) أخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق به، والخبر من الإسرائيليات.
(٤) الخبر من الإسرائيليات.