للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أمرت بي فأعلمني، فأتاه فقال: يا سليمان قد أمرت بك قد بقيت لك سويعة، فدعا الشياطين فبنوا عليه صرحًا من قوارير وليس له باب، فقام يصلي فاتكأ على عصاه، قال: فدخل عليه ملك الموت فقبض روحه وهو متكئ على عصاه، ولم يصنع ذلك فرارًا من ملك الموت، قال: والجن تعمل بين يديه وينظرون إليه يحسبون أنه حي، قال: فبعث الله ﷿ دابَّة الأرض، قال: والدابة تأكل العيدان يقال لها: القادح، فدخلت فيها فأكلتها حتى إذا أكلت جوف العصا ضعفت وثقل عليها فخر ميتًا، فلما رأت ذلك الجن، انفضُّوا وذهبوا، قال: فذلك قوله تعالى: ﴿مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ﴾ قال أصبغ: بلغني عن غيره أنها قامت سنة تأكل منها قبل أن يخر، وذكر غير واحد من السلف نحوًا من هذا (١).

﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (١٥) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (١٧)﴾.

كانت سبأ ملوك اليمن وأهلها، وكانت التبابعة منهم وبلقيس صاحبة سليمان من جملتهم، وكانوا في نعمة وغبطة في بلادهم وعيشهم واتساع أرزاقهم وزروعهم وثمارهم، وبعث الله إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه ويشكروه بتوحيده وعبادته، فكانوا كذلك ما شاء الله تعالى، ثم أعرضوا عما أمروا به، فعوقبوا بإرسال السيل والتفرق في البلاد أيدي سبأ، شذر مذر، كما سيأتي إن شاء الله تعالى تفصيله وبيانه قريبًا وبه الثقة.

قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا ابن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة، عن عبد الرحمن بن وعلة قال: سمعت ابن عباس يقول: إن رجلًا سأل رسول الله عن سبأ: ما هو أرجل أم امرأة أم أرض؟ قال : "بل هو رجل ولد له عشرة، فسكن اليمن منهم ستة، والشام منهم أربعة، فأما اليمانيون، فمذحج وكِندة والأزد والأشعريون وأنمار وحمير، وأما الشامية: فلخم وجذام وعاملة وغسان" (٢) ورواه عبد عن الحسن بن موسى، عن ابن لهيعة به (٣). وهذا إسناد حسن، ولم يخرجوه، وقد رواه الحافظ أبو عمر ابن عبد البر. في كتاب (القصد والأمم، بمعرفة أصول أنساب العرب والعجم) من حديث ابن لهيعة، عن علقمة بن وعلة (٤)، عن ابن عباس ، فذكر نحوه. وقد روي نحوه من وجه آخر.


(١) سنده رجاله ثقات لكن الخبر من الإسرائيليات كسابقه، وأخرجه الطبري من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
(٢) أخرجه الإمام بسنده بلفظ: "وإنمار وحِمير عرباء كلها". (المسند ٥/ ٧٥ ح ٢٨٩٨)، وحسن سنده محققوه .. وأخرجه الحاكم من طريق أبي عبد الرحمن به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٤٢٣)، وحسنه الحافظ ابن كثير ويشهد له ما يليه.
(٣) وسنده كسابقه.
(٤) كذا ذكره: علقمة بن وعلة، وفي رواية أحمد السابقة: عبد الرحمن بن وعلة، ولعله التبس على ابن لهيعة.