للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال السدي في حديث ذكره عن أبي مالك، عن أبي صالح، عن ابن عباس وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب رسول الله . قال: كان سليمان يتحرر (١) في بيت المقدس السنة والسنتين، والشهر والشهرين، وأقلّ من ذلك وأكثر، فيدخل فيه ومعه طعامه وشرابه، فأدخله في المرة التي توفي فيها، فكان بدء ذلك أنه لم يكن يوم يصبح فيه إلا ينبت الله في بيت المقدس شجرة، فيأتيها فيسألها: فيقول ما اسمك؟ فتقول الشجرة: اسمي كذا وكذا، فإن كانت لغرس غرسها، وإن كانت تنبت دواء قالت: نبت دواء كذا وكذا، فيجعلها كذلك، حتى نبتت شجرة يقال لها الخروبة، فسألها: ما اسمك؟ قالت: أنا الخروبة، قال ولأي شيء نبت؟ قالت: نبت لخراب هذا المسجد، قال سليمان : ما كان الله ليخربه وأنا حي، أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس، فنزعها وغرسها في حائط له، ثم دخل المحراب فقام يصلي متكئًا على عصاه، فمات ولم تعلم به الشياطين، وهم في ذلك يعملون له يخافون أن يخرج عليهم فيعاقبهم، وكانت الشياطين تجتمع حول المحراب، وكان المحراب له كوى بين يديه وخلفه، فكان الشيطان الذي يريد أن يخلع يقول: ألست جلدًا إن دخلت فخرجت من ذلك الجانب، فيدخل حتى يخرج من الجانب الآخر، فدخل شيطان من أولئك فمر ولم يكن شيطان ينظر إلى سليمان في المحراب إلا احترق، فمر ولم يسمع صوت سليمان، ثم رجع فلم يسمع، ثم رجع فوقع في البيت ولم يحترق، ونظر إلى سليمان قد سقط ميتًا، فخرج فأخبر الناس أن سليمان قد مات، ففتحوا عليه فأخرجوه. ووجدوا منسأته، وهي العصا بلسان الحبشة، قد أكلتها الأرضة، ولم يعلموا منذ كم مات، فوضعوا الأرضة على العصا فأكلت منها يومًا وليلة، ثم حسبوا على ذلك النحو، فوجدوه قد مات منذ سنة، وهي في قراءة ابن مسعود ، فمكثوا يدينون له من بعد موته حولًا كاملًا، فأيقن الناس عند ذلك أن الجن كانوا يكذبونهم ولو أنهم يطلعون على الغيب، لعلموا بموت سليمان ولم يلبثوا في العذاب سنة يعملون له، وذلك قول الله ﷿: ﴿مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ يقول: تبين أمرهم للناس أنهم كانوا يكذبونهم، ثم إن الشياطين قالوا للأرضة: لو كنت تأكلين الطعام أتيناك بأطيب الطعام، ولو كنت تشربين الشراب سقيناك أطيب الشراب، ولكنا سننقل إليك الماء والطين، قال: فهم ينقلون إليها ذلك حيث كانت، قال: ألم تر إلى الطين الذي يكون في جوف الخشب؟ فهو ما تأتيها به الشياطين شكرًا لها (٢). وهذا الأثر - والله أعلم - إنما هو مما تلقي من علماء أهل الكتاب، وهي وقف لا يصدق منه إلا ما وافق الحق، ولا يكذب منها إلا ما خالف الحق، والباقي لا يصدق ولا يكذب.

وقال ابن وهب وأصبغ بن الفرج، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : ﴿مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ﴾ قال: قال سليمان لملك الموت: إذا


(١) كذا في النسخ الخطية، وفي رواية الطبري: يتجرد.
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لأن السدي خلط بين الأسانيد الصحيحة والضعيفة، وضعف سنده الحافظ ابن حجر في مقدمة العجاب في بيان الأسباب.