للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال مالك: عن زيد بن أسلم قال: الأمانة ثلاثة: الصلاة والصوم والاغتسال من الجنابة (١). وكل هذه الأقوال لا تنافي بينها بل متفقة وراجعة إلى أنها التكليف وقبول الأوامر والنواهي بشرطها، وهو أنه إن قام بذلك أثيب، وإن تركها عوقب فقبلها الإنسان على ضعفه وجهله وظلمه إلا من وفق الله وبالله المستعان.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد العزيز بن المغيرة [البصري] (٢)، حدثنا حماد بن واقد؛ يعني: أبا عمر الصفار سمعت أبا معمر يعني: عون بن معمر يحدث عن الحسن، يعني: البصري أنه تلا هذه الآية: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ﴾ قال: عرضها على السبع الطباق الطرائق التي زينت بالنجوم، وحملة العرش العظيم، فقيل لها: هل تحملين الأمانة وما فيها؟ قالت: وما فيها؟ قال: قيل لها إن أحسنت جزيت، وإن أسأت عوقبت قالت: لا ثم عرضها على الأرضين السبع الشداد، التي شدت بالأوتاد، وذللت بالمهاد، قال: فقيل لها هل تحملين الأمانة وما فيها؟ قالت: وما فيها؟ قال: قيل لها: إن أحسنت جزيت وإن أسأت عوقبت، قالت: لا، ثم عرضها على الجبال الشمِّ الشوامخ الصعاب الصلاب، قال: قيل لها: هل تحملين الأمانة وما فيها؟ قالت: وما فيها؟ قال لها: إن أحسنت جزيت، وإن أسأت عوقبت، قالت: لا (٣).

وقال مقاتل بن حيان: إن الله تعالى حين خلق خلقه جمع بين الإنس والجن والسماوات والأرض والجبال فبدأ بالسماوات فعرض عليهن الأمانة، وهي الطاعة، فقال لهن: أتحملن هذه الأمانة، ولكن على الفضل والكرامة والثواب في الجنة؟ فقلن: يا رب إنا لا نستطيع هذا الأمر وليس بنا قوة ولكنا لك مطيعون، ثم عرض الأمانة على الأرضين فقال لهن: أتحملن هذه الأمانة وتقبلنها مني، وأعطيكن الفضل والكرامة في الدنيا؟ فقلن: لا صبر لنا على هذا يا رب، ولا نطيق ولكنا لك سامعون مطيعون لا نعصيك في شيء أمرتنا به. ثم قرّب آدم فقال له: أتحمل هذه الأمانة وترعاها حق رعايتها؟ فقال عند ذلك آدم: ما لي عندك؟ قال: يا آدم إن أحسنت وأطعت ورعيت الأمانة، فلك عندي الكرامة والفضل، وحسن الثواب في الجنة، وإن عصيت، ولم ترعها حق رعايتها، وأسأت فإني معذبك ومعاقبك وأنزلك النار، قال رضيت يا ربِّ، وتحمَّلها، فقال الله ﷿ عند ذلك قد حملتكها فذلك قوله تعالى: ﴿وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾ رواه ابن أبي حاتم (٤).

وعن مجاهد أنه قال: عرضها على السماوات فقالت: يا رب حملتني الكواكب وسكان السماء وما ذكر وما أريد ثوابًا ولا أحمل فريضة. قال: وعرضها على الأرض فقالت: يا ربِّ غرست فيَّ الأشجار وأجريت فيَّ الأنهار وسكان الأرض وما ذكر وما أريد ثوابًا ولا أحمل فريضة، وقالت الجبال مثل ذلك، قال الله تعالى: ﴿وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ في عاقبة أمره (٥)،


(١) سنده صحيح.
(٢) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل: "بدون".
(٣) سنده ضعيف لضعف حماد بن واقد وإرسال الحسن البصري ولبعضه شواهد تقدمت عن ابن عباس.
(٤) عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم وسنده ضعيف معضل ويشهد لبعضه ما تقدم عن ابن عباس.
(٥) عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم وهو مرسل.