للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أسلم (١)، وذكر بسنده عن السدي إن الذي عزم على ذلك طلحة بن عبيد الله (٢)، حتى نزل التنبيه على تحريم ذلك، ولهذا اجتمع العلماء قاطبة على أن من توفي عنها رسول الله من أزواجه أنه يحرم على غيره تزوجها من بعده، لأنهنَّ أزواجه في الدنيا والآخرة وأمهات المؤمنين كما تقدم، واختلفوا فيمن دخل بها ثم طلقها في حياته: هل يحل لغيره أن يتزوجها؟ على قولين مأخذهما هل دخلت هذه في عموم قوله: ﴿مِن بَعْدِهِ﴾ أم لا؟ فأما من تزوجها ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فما نعلم في حلِّها لغيره والحالة هذه نزاعًا، والله أعلم.

وقال ابن جرير: حدثني محمد بن المثنى، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا داود، عن عامر أن نبي الله مات وقد ملك قيلة ابنة الأشعث - يعني: ابن قيس - فتزوجها عكرمة بن أبي جهل بعد ذلك، فشق ذلك على أبي بكر مشقة شديدة، فقال له عمر: يا خليفة رسول الله إنها ليست من نسائه، إنها لم يخيرها رسول الله ولم يحجبها، وقد برأها الله منه بالردَّة التي ارتدت مع قومها: قال: فاطمأن أبو بكر وسكن (٣).

وقد عظَّم الله ذلك، وشدَّد فيه وتوعد عليه بقوله: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾

ثم قوله تعالى: ﴿إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (٥٤)﴾ أي: مهما تكنه ضمائركم وتنطوي عليه سرائركم، فإن الله يعلمه، فإنه لا تخفى عليه خافية ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩)[غافر].

﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (٥٥)﴾.

لما أمر النساء بالحجاب من الأجانب، بيّن أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب منهم، كما استثناهم في سورة النور عند قوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ [النور: ٣١] وفيها زيادات على هذه، وقد تقدم تفسيرها والكلام عليها بما أغنى عن إعادته ههنا.

وقد سأل بعض السلف فقال: لِمَ لمْ يذكر العمَّ والخال في هاتين الآيتين؟ فأجاب عكرمة والشعبي بأنهما لم يذكرا لأنهما قد يصفان ذلك لبنيهما.

قال ابن جرير: حدثني محمد بن المثنى، حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا حماد، حدثنا داود، عن الشعبي وعكرمة في قوله تعالى: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ﴾ الآية، قلت: ما شأن العمّ والخال لم يُذكرا (٤)؟ قال لأنهما ينعتانهما لأبنائهما وكرها أن تضع خمارها عند خالها وعمها.


(١) عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.
(٢) سنده مرسل.
(٣) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده مرسل، وأخرجه ابن سعد من طريق داود بن هند دون ذكر عامر الشعبي (الطبقات الكبرى ٨/ ١٤٧).
(٤) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده حسن.