للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

البغدادي في ذلك كتابًا في (ذم الطفيليين)، وذكر من أخبارهم أشياء يطول إيرادها.

ثم قال تعالى: ﴿وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا﴾، وفي صحيح مسلم، عن ابن عمر قال: قال رسول الله : "إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسًا كان أو غيره" (١) وأصله في الصحيحين.

وفي الصحيح أيضًا عن رسول الله : "لو دعيت إلى ذراع لأجبت ولو أهدي إليّ كراع (٢) لقبلت، فإذا فرغتم من الذي دعيتم إليه فخففوا عن أهل المنزل وانتشروا في الأرض" (٣)، ولهذا قال تعالى: ﴿وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ﴾ أي: كما وقع لأولئك النفر الثلاثة الذين استرسل بهم الحديث، ونسوا أنفسهم حتى شقَّ ذلك على رسول الله ، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ﴾.

وقيل: المراد إن دخولكم منزله بغير إذنه كان يشق عليه ويتأذى به، ولكن كان يكره أن ينهاهم عن ذلك من شدة حيائه حتى أنزل الله عليه النهي عن ذلك، ولهذا قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾ أي: ولهذا نهاكم عن ذلك وزجركم عنه.

ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ أي: وكما نهيتكم عن الدخول عليهن كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن، فلا ينظر إليهن ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب ..

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن مسعر، عن موسى بن أبي كثير، عن مجاهد، عن عائشة قالت: كنت آكل مع النبي حيسًا في قعْب (٤)، فمرَّ عمر فدعاه فأكل، فأصابت إصبعه إصبعي، فقال: حِسِّ أو أوه، لو أطاع فيكن ما رأتكن عين، فنزل الحجاب ﴿ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾ (٥) أي: هذا الذي أمرتكم به وشرعته لكم من الحجاب أطهر وأطيب.

وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن أبي حماد، حدثنا مهران، عن سفيان، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ﴾ قال: نزلت في رجل همَّ أن يتزوج بعض نساء النبي بعده، قال رجل لسفيان: أهي عائشة؟ قال: قد ذكروا ذلك (٦). وكذا قال مقاتل بن حيان وعبد الرحمن بن زيد بن


(١) صحيح مسلم، النكاح، باب الأمر بإجابة الراعي إلى دعوة (ح ١٤٢٩).
(٢) أي: ما دون الركبة.
(٣) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة (الصحيح، الهبة، باب القليل من الهبة ح ٢٥٦٨).
(٤) أي: القدح الضخم.
(٥) أخرجه البستي من طريق ابن أبي عمر العدني به، وفي سنده مجاهد وهو لم يسمع من عائشة ، وأخرجه الطبراني من طريق ابن أبي عمر به (المعجم الأوسط ٣/ ٤٥٢ ح ٢٩٧١) وقال الطبراني لم يروه عن مسعر إلا سفيان بن عيينة (ينظر مجمع البحرين ٦/ ٥٩ ح ٣٣٧٤).
(٦) سنده حسن.