للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن جرير: حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن أخي ابن وهب، حدثني عمي عبد الله بن وهب، حدثني يونس، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: إن أزواج النبي كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع - وهو صعيد أفيح (١) - وكان عمر يقول لرسول الله : احجب نساءك، فلم يكن رسول الله ليفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج رسول الله ، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر بصوته الأعلى: قد عرفناك يا سودة، حرصًا على أن ينزل الحجاب، قالت: فانزل الله الحجاب (٢)، هكذا وقع في هذه الرواية، والمشهور أن هذا بعد نزول الحجاب (٣).

كما رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها، وكانت امرأة جسيمة، لا تخفى على من يعرفها، فرآها عمر بن الخطاب فقال: يا سودة أما والله ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين؟ قالت: فانكفأت راجعة ورسول الله في بيتي وإنه ليتعشى وفي يده عرق (٤)، فدخلت فقالت: يا رسول الله إني خرجت لبعض حاجتي، فقال لي عمر: كذا وكذا، قالت: فأوحى الله إليه، ثم رفع عنه وإن العرق في يده ما وضعه، فقال: "إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن" (٥) لفظ البخاري، فقوله تعالى: ﴿لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ﴾ حظر على المؤمنين أن يدخلوا منازل رسول الله بغير إذن كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام، حتى غار الله لهذه الأُمة فأمرهم بذلك، وذلك من إكرامه تعالى هذه الأُمة ولهذا قال رسول الله : "إياكم والدخول على النساء" (٦) الحديث، ثم استثنى من ذلك فقال تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ﴾.

قال مجاهد وقتادة وغيرهما: أي غير متحينين نضجه واستواءه (٧)؛ أي: لا ترقبوا الطعام إذا طبخ حتى إذا قارب الاستواء تعرضتم للدخول، فإن هذا مما يكرهه الله ويذمه.

وهذا دليل على تحريم التطفيل وهو الذي تسميه العرب الضيفن (٨)، وقد صنف الخطيب


(١) أي: واسع.
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده حسن.
(٣) لكن ما ورد في البخاري يؤيد رواية الطبري فقد أخرجه البخاري من طريق عقيل عن الزهري به مختصرًا وفيه قوله: قد عرفناك يا سودة … إلى آخره.
وقد جمع الحافظ ابن حجر بين الروايتين فقال: المراد بالحجاب الأول غير الحجاب الثاني، والحاصل أن عمر وقع في قلبه نفرة من إطلاع الأجانب على الحريم النبوي، حتى صرح بقوله له عليه الصلاة: احجب نساءك، وأكد ذلك إلى أن نزلت آية الحجاب، ثم قصد بعد ذلك أن لا يبدين أشخاصهن أصلًا ولو كنَّ مستترات، فبالغ في ذلك، فمنع منه، وأُذن لهن في الخروج لحاجتهن دفعًا للمشقة ورفعًا للحرج (فتح الباري ٨/ ٥٣١).
(٤) أي: العظم بلحمه.
(٥) المسند ٦/ ٥٦ وصحيح البخاري، التفسير، باب ﴿لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ. . .﴾ [الأحزاب: ٥٣] (ح ٤٧٩٥)، وصحيح مسلم، السلام، باب إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة الإنسان (ح ٢١٧٠).
(٦) تقدم تخريجه في تفسير سورة النور آية ٣١.
(٧) قول مجاهد أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه.
(٨) أي: الذي يجيء مع الضيف.