للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

السحاب ﴿فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ أي: إليه يفرحون لحاجتهم بنزوله عليهم ووصوله إليهم.

وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (٤٩)﴾ معنى الكلام: أن هؤلاء القوم الذين أصابهم هذا المطر، كانوا قانطين أزلين من نزول المطر إليهم قبل ذلك، فلما جاءهم جاءهم على فاقة، فوقع منهم موقعًا عظيمًا.

وقد اختلف النحاة في قوله: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ﴾ فقال ابن جرير: هو تأكيد (١)، وحكاه عن بعض أهل العربية.

وقال آخرون: من قبل أن ينزل عليهم المطر من قبله؛ أي: الإنزال لمبلسين، ويحتمل أن يكون ذلك من دلالة التأسيس، ويكون معنى الكلام: أنهم كانوا محتاجين إليه قبل نزوله، ومن قبله أيضًا قد فات عندهم نزوله وقتًا بعد وقت، فترقبوه في إبانه، فتأخر، ثم مضت مدة فترقبوه فتأخر، ثم جاءهم بغتة بعد الإياس منه والقنوط، فبعدما كانت أرضهم مقشعرة هامدة أصبحت وقد اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، ولهذا قال تعالى: ﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ﴾ يعني: المطر ﴿كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾.

ثم نبّه بذلك على إحياء الأجساد بعد موتها وتفرقها وتمزقها فقال تعالى: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى﴾ أي: إن الذي فعل ذلك لقادر على إحياء الأموات ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾

ثم قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (٥١)﴾ يقول تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا﴾ يابسة على الزرع الذي زرعوه ونبت وشبَّ واستوى على سوقه، فرأوه مصفرًا؛ أي: قد أصفر وشرع في الفساد لظلُّوا من بعده؛ أي: بعد هذا الحال، يكفرون؛ أي: يجحدون ما تقدم إليهم من النعم. كقوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٦٧)[الواقعة].

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع، حدثنا هشيم، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو قال: الرياح ثمانية: أربعة منها رحمة، وأربعة عذاب، فأما الرحمة: فالناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات، وأما العذاب: فالعقيم والصرصر وهما في البر، والعاصف والقاصف وهما في البحر (٢).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبيد الله بن أخي بن وهب، حدثنا عمي، حدثنا عبد الله بن عياش، حدثني عبد الله بن سليمان، عن دراج، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله : "الريح مسخرة من الثانية -يعني: الأرض الثانية- فلما أراد أن يهلك عادًا أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحًا تهلك عادًا، فقال: يا ربِّ أرسل عليهم من الريح قدر منخر الثور، قال له الجبار : لا إذًا تكفأ الأرض وما عليها، ولكن أرسل عليهم بقدر خاتم، فهي التي قال الله في كتابه (٣) ﴿مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢)


(١) رجحه الطبري.
(٢) سنده حسن.
(٣) في سنده دراج وفيه مقال وضعفه الحافظ ابن كثير.