للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الذاريات] هذا حديث غريب، ورفعه منكر، والأظهر أنه من كلام عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما".

﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢) وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣)﴾.

يقول تعالى: كما أنك ليس في قدرتك أن تسمع الأموات في أجداثها (١)، ولا تبلغ كلامك الصم الذين لا يسمعون وهم مع ذلك مدبرون عنك، كذلك لا تقدر على هداية العميان عن الحق وردِّهم عن ضلالتهم بل ذلك إلى الله، فإنه تعالى بقدرته يسمع الأموات أصوات الأحياء إذا شاء، ويهدي من يشاء ويضلُّ من يشاء وليس ذلك لأحد سواه، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾ أي: خاضعون مستجيبون مطيعون، فأولئك هم الذي يسمعون الحق ويتبعونه وهذا حال المؤمنين، والأول مثل الكافرين، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٣٦)[الأنعام].

وقد استدلت أُم المؤمنين عائشة بهذه الآية ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ على توهيم عبد الله بن عمر في روايته مخاطبة النبي القتلى الذين ألقوا في قليب بدر بعد ثلاثة أيام ومعاتبته إياهم وتقريعه لهم، حتى قال عمر: يا رسول الله ما تخاطب من قوم قد جيفوا؟ (٢) فقال: "والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لا يجيبون" وتأولته عائشة على أنه قال: "إنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق" (٣).

وقال قتادة: أحياهم الله له حتى سمعوا مقالته تقريعًا وتوبيخًا ونقمة.

والصحيح عند العلماء رواية عبد الله بن عمر لما لها من الشواهد على صحتها من وجوه كثيرة، من أشهر ذلك ما رواه ابن عبد البر مصححًا له عن ابن عباس مرفوعًا: "ما من أحد يمر بقبر أخيه المسلم كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه، إلا ردَّ الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام" (٤).

[وثبت عنه أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له، إذا انصرفوا عنه، وقد شرع النبي لأمته إذا سلموا على أهل القبور أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه فيقول المسلم: السلام عليكم دار قوم مؤمنين (٥)، وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، ولولا هذا الخطاب لكانوا بمنزلة خطاب المعدوم والجماد، والسلف مجمعون على هذا، وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف بزيارة الحي له ويستبشر، فروى ابن أبي الدنيا في كتاب القبور عن عائشة ، قالت: قال رسول الله : "ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده، إلا استأنس به وردَّ عليه حتى يقوم" (٦).

وروى عن أبي هريرة ، قال: إذا مرّ رجل بقبر يعرفه فسلم عليه، ردَّ عليه السلام.


(١) جمع جدث وهو القبر.
(٢) جيفوا: أي أنثنوا، يقال جافته الميتة وجيفت واجتافت. والجيفة جثة الميت إذا أنتت.
(٣) تقدم تخريجه في تفسير سورة الأعراف آية ٤٤.
(٤) أخرجه ابن عبد البر من طريق عبيد بن عمير عن ابن عباس وصححه (الاستذكار ٢/ ١٦٥).
(٥) سيأتي تخريجه في آخر هذه الروايات.
(٦) في سنده عبد الله بن سمعان قال الذهبي: تركوه. (تخريج أحاديث إحياء علوم الدين ص ٤٠٣١).