للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وراحة، فأعلم بذلك قومه فأتوها جميعًا فاستظلوا تحتها فأججت عليهم نارًا (١)، وهكذا روي عن عكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغيرهم (٢).

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: بعث الله إليهم الظلة حتى إذا اجتمعوا كلهم كشف الله عنهم الظلة وأحمى عليهم الشمس، فاحترقوا كما يحترق الجراد في المقلى (٣).

وقال محمد بن كعب القرظي: إن أهل مدين عذبوا بثلاثة أصناف من العذاب: أخذتهم الرجفة في دارهم حتى خرجوا منها، فلما خرجوا منها أصابهم فزع شديد، ففرقوا أن يدخلوا إلى البيوت فتسقط عليهم، فأرسل الله عليهم الظلة، فدخل تحتها رجل فقال: ما رأيت كاليوم ظلًا أطيب ولا أبرد من هذا، هلموا أيها الناس، فدخلوا جميعًا تحت الظلة، فصاح بهم صيحة واحدة، فماتوا جميعًا، ثم تلا محمد بن كعب ﴿فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ (٤).

وقال محمد بن جرير: حدثني الحارث، حدثني الحسن، حدثني سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد، حدثنا حاتم بن أبي صغيرة، حدثني يزيد الباهلي، سألت ابن عباس عن هذه الآية ﴿فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ قال: بعث الله عليهم [ومدةً] (٥) وحرًا شديدًا، فأخذ بأنفاسهم فخرجوا من البيوت هرابًا إلى البرية، فبعث الله عليهم سحابة فأظلتهم من الشمس، فوجدوا لها بردًا ولذَّة، فنادى بعضهم بعضًا حتى إذا اجتمعوا تحتها أرسل الله عليهم نارًا. قال ابن عباس: فذلك عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم (٦).

﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٩٠) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٩١)﴾؛ أي: العزيز في انتقامه من الكافرين، الرحيم بعباده المؤمنين.

﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن الكتاب الذي أنزله على عبده ورسوله محمد ﴿وَإِنَّهُ﴾؛ أي: القرآن ذكره في أول السورة في قوله: ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ﴾ [الشعراء: ٥] الآية ﴿لَتَنْزِيلُ رَبِّ


(١) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق قتادة به، وسنده ضعيف لأن قتادة لم يسمع عبد الله بن عمرو ، ويتقوى بما يليه.
(٢) قول عكرمة أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق ميسرة، وهو ابن عمار، عنه، وقول سعيد بن جبير أخرجه ابن أبي حاتم بسند جيد من طريق جعفر بن أبي المغيرة عنه، وقول الحسن أخرجه ابن أبي حاتم بسند فيه الوليد بن حسان البكري سكت عنه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل. وهذه المراسيل يقوي بعضها بعضًا.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب، وهو عبد الله بن وهب، عن عبد الرحمن.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق أبي معشر عن محمد بن كعب، وأبو معشر هو نجيح بن عبد الرحمن السندي وهو ضعيف كما في التقريب.
(٥) أي: الندي والرطوبة، وفي الأصل: "رعدًا"، والمثبت من تفسير الطبري وابن أبي حاتم.
(٦) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وأخرجه الحاكم من طريق سعيد بن زيد به، وسكت عنه هو والذهبي (المستدرك ٢/ ٥٦٨)، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق يزيد بن ضمرة الباهلي عن ابن عباس.