للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الْعَالَمِينَ﴾؛ أي: أنزله الله عليك وأوحاه إليك ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣)﴾ وهو جبريل ، قاله غير واحد من السلف: ابن عباس ومحمد بن كعب وقتادة وعطية العوفي والسدي والضحاك والزهري وابن جريج (١)، وهذا مما لا نزاع فيه.

قال الزهري: وهذه كقوله: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [البقرة: ٩٧].

وقال مجاهد: من كلمه الروح الأمين لا تأكله الأرض (٢).

﴿عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤)﴾؛ أي: نزل به ملك كريم أمين ذو مكانة عند الله مطاع في الملأ الأعلى ﴿عَلَى قَلْبِكَ﴾ يا محمد سالمًا من الدنس والزيادة والنقص ﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾؛ أي: لتنذر به بأس الله ونقمته على من خالفه وكذبه، وتبشر به المؤمنين المتبعين له.

وقوله تعالى: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)﴾؛ أي: هذا القرآن الذي أنزلناه إليك، أنزلناه بلسانك العربي الفصيح الكامل الشامل، ليكون بينًا واضحًا ظاهرًا، قاطعًا للعذر، مقيمًا للحجة دليلًا إلى المحجة.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن أبي بكر العتكي، حدثنا عباد بن عباد المهلبي، عن موسى بن محمد، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: بينما رسول الله مع أصحابه في يوم دجن (٣) إذ قال لهم: "كيف ترون بواسقها؟ " (٤) قالوا: ما أحسنها وأشد تراكمها. قال: "فكيف ترون قواعدها؟ " قالوا: ما أحسنها وأشد تمكنها. قال: "فكيف ترون جونها؟ " (٥) قالوا: ما أحسنه وأشد سواده. قال: "فكيف ترون رحاها استدارت" قالوا: ما أحسنها وأشد استدارتها. قال: "فكيف ترون برقها: أَومَيض (٦) أم خَفق (٧) أم يشق شقًا؟ " قالوا: بل يشق شقًا. قال: "الحياء الحياء إن شاء الله". قال: فقال رجل: يا رسول الله، بأبي وأُمي، ما أفصحك، ما رأيت الذي هو أعرب منك. قال: فقال: "حق لي وإنما أنزل القرآن بلساني والله يقول: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)﴾ " (٨).

وقال سفيان الثوري: لم ينزل وحي إلا بالعربية، ثم ترجم كل نبي لقومه، واللسان يوم القيامة بالسريانية، فمن دخل الجنة تكلم بالعربية، رواه ابن أبي حاتم (٩).


(١) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عطية العوفي عنه، ويتقوى بالأقوال التالية التي ذكر أغلبها ابن أبي حاتم بحذف السند، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه، وقول عطية العوفي تقدم ضمن رواية ابن عباس، وقول الضحاك أخرجه البستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عنه.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٣) أي: يوم مظلم (ينظر أساس البلاغة ص ١٨٣).
(٤) أي: طولها.
(٥) الجون: الأسود، أو الأسود تخالطه حمرة.
(٦) الميض: الخفة والسرعة (القاموس المحيط ٢/ ٣٥٧).
(٧) خفق: الخفق التحريك والاضطراب (القاموس المحيط ٣/ ٣٣٥).
(٨) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لأن محمد بن إبراهيم بن الحارث تابعي أرسله.
(٩) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق يحيى بن الضريس عن سفيان الثوري.