للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ﴾ يعنون من المسحورين كما تقدم

﴿وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (١٨٦)﴾؛ أي: تتعمد الكذب فيما تقوله لا أن الله أرسلك إلينا

﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ﴾.

قال الضحاك: جانبًا من السماء (١).

وقال قتادة: قطعًا من السماء (٢).

وقال السدي: عذابًا من السماء (٣). وهذا شبيه بما قالت قريش فيما أخبر الله عنهم في قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (٩٠)﴾ إلى أن قالوا: ﴿أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (٩٢)[الإسراء] وقوله: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٢)[الأنفال]، وهكذا قال هؤلاء الكفار الجهلة ﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧)

﴿قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٨٨)﴾ يقول: الله أعلم بكم، فإن كنتم تستحقون ذلك جازاكم به، وهو غير ظالم لكم، وهكذا وقع بهم جزاء كما سألوا جزاء وفاقًا، ولهذا قال تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٨٩)﴾ وهذا من جنس ما سألوه من إسقاط الكسف عليهم، فإن الله جعل عقوبتهم أن أصابهم حرُّ عظيم مدة سبعة أيام، لا يكنّهم منه شيء، ثم أقبلت إليهم سحابة أظلتهم، فجعلوا ينطلقون إليها يستظلون بظلها من الحرِّ، فلما اجتمعوا كلُّهم تحتها، أرسل الله تعالى عليهم منها شررًا من نار ولهبًا ووهجًا عظيمًا، ورجفت بهم الأرض، وجاءتهم صيحة عظيمة أزهقت أرواحهم، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.

وقد ذكر الله تعالى صفة إهلاكهم في ثلاثة مواطن، كل موطن بصفة تناسب ذلك السياق، ففي الأعراف ذكر أنهم أخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين، وذلك لأنهم قالوا: ﴿لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا﴾ [الأعراف: ٨٨]، فأرجفوا نبي الله ومن اتبعه فأخذتهم الرجفة، وفي سورة هود قال: ﴿وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ﴾ [هود: ٩٤] وذلك لأنهم استهزءوا بنبي الله في قولهم: ﴿أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ [هود: ٨٧]، قالوا: ذلك على سبيل التهكم والازدراء، فناسب أن تأتيهم صيحة تسكتهم، فقال: ﴿وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ﴾ وههنا قالوا: ﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧)﴾، على وجه التعنت والعناد، فناسب أن يحقَّ عليهم ما استبعدوا وقوعه ﴿فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.

قال قتادة: قال عبد الله بن عمرو : إن الله سلَّط عليهم الحرَّ سبعة أيام حتى ما يظلهم منه شيء، ثم إن الله تعالى أنشأ لهم سحابة، فانطلق إليها أحدهم فاستظل بها فأصاب تحتها بردًا


(١) أخرجه البستي وابن أبي حاتم بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عن الضحاك.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسند جيد من طريق أسباط عن السدي.