للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إليهما شعيبًا النبي " (١) وهذا غريب، وفي رفعه نظر، والأشبه أن يكون موقوفًا، والصحيح أنهم أُمة واحدة وصفوا في كل مقام بشيء، ولهذا وعظ هؤلاء وأمرهم بوفاء المكيال والميزان، كما في قصة مدين سواء بسواء، فدلَّ ذلك على أنهما أُمة واحدة.

﴿أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (١٨٣) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (١٨٤)﴾.

يأمرهم الله تعالى بإيفاء المكيال والميزان، وينهاهم عن التطفيف فيهما، فقال: ﴿أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١)﴾؛ أي: إذا دفعتم للناس فكملوا الكيل لهم، ولا تبخسوا الكيل فتعطوه ناقصًا، وتأخذوه إذا كان لكم تامًّا وافيًا، ولكن خذوا كما تعطون، وأعطوا كما تأخذون ﴿وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢)﴾ والقسطاس هو الميزان، وقيل: هو القبّان. قال بعضهم: هو معرب من الرومبة.

قال مجاهد: القسطاس المستقيم: هو العدل بالرومية (٢).

وقال قتادة القسطاس: العدل.

وقوله: ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾؛ أي: لا تنقصوهم أموالهم ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ يعني: قطع الطريق، كما قال في الآية الأخرى ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ﴾ [الأعراف: ٨٦].

وقوله: ﴿وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (١٨٤)﴾ يخوفهم بأس الله الذي خلقهم وخلق آباءهم الأوائل، كما قال موسى ﴿رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الشعراء: ٢٦].

قال ابن عباس ومجاهد والسدي وسفيان بن عيينة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ﴿وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ﴾ يقول: خلق الأولين (٣).

وقرأ ابن زيد ﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا﴾ [يس: ٦٢] (٤).

﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٨٥) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (١٨٦) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٨٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٨٩) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٩٠) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٩١)﴾.

يخبر تعالى عن جواب قومه له بمثل ما أجابت به ثمود لرسولها، تشابهت قلوبهم حيث قالوا:


(١) ينظر مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ١٠/ ٣٠٩، وسنده ضعيف لضعف ربيعة بن سيف كما في ميزان الاعتدال.
(٢) قول مجاهد أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسندين يقوي أحدهما الآخر، وقول قتادة أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه.
(٣) قول ابن عباس أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عنه، وقول مجاهد أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول سفيان أخرجه البستي وابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق ابن أبي عمر العدني عنه، وفول السدي أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق أسباط عنه، وقول عبد الرحمن أخرجه ابن أبي حاتم والطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عنه.
(٤) وهي قراءة متواترة.