للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ﴾؛ أي: ننفيك من بين أظهرنا، كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢)[الأعراف]، فلما رأى أنهم لا يرتدعون عما هم فيه وأنهم مستمرون على ضلالتهم، تبرأ منهم وقال: ﴿إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ﴾؛ أي: المبغضين، لا أحبه ولا أرضى به، وإنِّي بريء منكم،

ثم دعا الله عليهم فقال: ﴿رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (١٦٩)﴾ قال الله تعالى: ﴿فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٧٠)﴾؛ أي: كلهم ﴿إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (١٧١)﴾ وهي امرأته، وكانت عجوز سوء بقيت فهلكت مع من بقي من قومها، وذلك كما أخبر الله تعالى عنهم في سورة الأعراف وهود، وكذا في الحجر حين أمره الله أن يسري بأهله إلا امرأته، وأنهم لا يلتفتوا إذا سمعوا الصيحة حين تنزل على قومه، فصبروا لأمر الله واستمروا، وأنزل الله على أولئك العذاب الذي عم جميعهم، وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود، ولهذا قال تعالى: ﴿ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٧٢) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٣) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٤) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٧٥)﴾.

﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (١٧٦) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (١٧٧) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٧٨) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٧٩) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٨٠)﴾.

هؤلاء -يعني أصحاب الأيكة- هم أهل مدين على الصحيح، وكان نبي الله شعيب من أنفسهم وإنما لم يقل ههنا أخوهم شعيب لأنهم نسبوا إلى عبادة الأيكة، وهي شجرة، وقيل: شجر ملتف كالغيضة كانوا يعبدونها، فلهذا لما قال: كذَّب أصحاب الأيكة المرسلين لم يقل: إذ قال لهم أخوهم شعيب، وإنما قال: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ﴾ فقطع نسب الأخوة بينهم للمعنى الذي نسبوا إليه، وإن كان أخاهم نسبًا. ومن الناس من لم يفطن لهذه النكتة، فظن أن أصحاب الأيكة غير أهل مدين، فزعم أن شعيبًا بعثه الله إلى أُمتين، ومنهم من قال: ثلاث أُمم.

وقد روى إسحاق بن بشر الكاهلي -وهو ضعيف- حدثني ابن السدي عن أبيه، وزكريا بن عمر عن خُصيف، عن عكرمة، قالا: ما بعث الله نبيًا مرتين إلا شعيبًا، مرة إلى مدين فأخذهم الله بالصيحة، ومرة إلى أصحاب الأيكة، فأخذهم الله تعالى بعذاب يوم الظلة (١).

وروى أبو القاسم البغوي عن هدبة، عن همَّام، عن قتادة في قوله تعالى: ﴿وَأَصْحَابَ الرَّسِّ﴾ [الفرقان: ٣٨] قوم شعيب (٢).

وقوله: ﴿أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ﴾ قوم شعيب.

قال إسحاق بن بشر. وقال غير جويبر (٣): أصحاب الأيكة ومدين هما واحد، والله أعلم.

وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة شعيب من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن أبيه، عن معاوية بن هشام، عن هشام بن سعد، عن سعيد بن أبي هلال، عن ربيعة بن سيف، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله : "إن قوم مدين وأصحاب الأيكة أُمتان، بعث الله


(١) سنده ضعيف لضعف إسحاق بن بشر.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق هدبة بن خالد به.
(٣) قول جويبر أخرجه ابن أبي حاتم وقد توبع في رواية الطبري من طريق عبيد بن سليمان عن الضحاك.