للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال مجاهد وقتادة: ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤)﴾ يعني: الثناء الحسن (١).

قال مجاهد: [كقوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ [النحل: ١٢٢]] وكقوله: ﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ (٢) [العنكبوت: ٢٧].

وكقوله: ﴿وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [النحل: ١٢٢].

قال ليث بن أبي سُليم: كلُّ مِلَّة تحبه وتتولاه (٣)، وكذا قال عكرمة.

وقوله تعالى: ﴿وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (٨٥)﴾؛ أي: أنعم عليّ في الدنيا ببقاء الذكر الجميل بعدي، وفي الآخرة بأن تجعلني من ورثة جنة النعيم.

وقوله: ﴿وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ﴾، كقوله: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾ [إبراهيم: ٤١] وهذا مما رجع عنه إبراهيم ، كما قال تعإلى: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (١١٤)[التوبة] وقد قطع تعالى الإلحاق في استغفاره لأبيه فقال تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الممتحنة: ٤].

وقوله: ﴿وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (٨٧)﴾؛ أي: أجرني من الخزي يوم القيامة يوم يبعث الخلائق أولهم وآخرهم. قال البخاري عند هذه الآية: قال إبراهيم بن طهمان، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة ، عن النبي قال: "إن إبراهيم رأى أباه يوم القيامة عليه الغَبَرة والقَتَرة" (٤).

حدثنا إسماعيل، حدثنا أخي، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "يلقى إبراهيم أباه فيقول: يا ربّ إنك وعدتني أنك لا تخزني يوم يبعثون، فيقول الله تعالى: إني حرمت الجنة على الكافرين" (٥) هكذا رواه عند هذه الآية. وفي أحاديث الأنبياء بهذا الإسناد بعينه منفردًا به، ولفظه: "يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصيني، فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا ربِّ إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد فيقول الله تعالى: إني حرمت الجنة على الكافرين، ثم يقال: يا إبراهيم انظر تحت رجلك، فينظر، فإذا هو بذيخ (٦) متلطخ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار" (٧).

وقال عبد الرحمن النسائي في التفسير من سننه الكبير: وقوله: ﴿وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (٨٧)


(١) قول مجاهد أخرجه ابن أبى حاتم بسند جيد من طريق الحكم بن عتيبة عنه.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق حسين الجعفي عن ليث.
(٤) أخرجه البخاري بسنده ومتنه هكذا معلقًا (الصحيح، التفسير، سورة الشعراء، باب ﴿وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ﴾ [الشعراء: ٨٧] ح ٤٧٦٨) وفد وصله البخاري كما في الحديث التالي والذي يليه.
(٥) أخرجه البخاري بسنده ومتنه (المصدر السابق ح ٤٧٦٩).
(٦) الذيخ: هو ذكر الضباع (النهاية ٢/ ١٧٤).
(٧) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة مرفوعًا (الصحيح، أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ [النساء: ١٢٥].