للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

"فإن حق العباد على الله أن لا يعذبهم" (١)، أخرجاه في الصحيحين من حديث قتادة (٢).

وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ أي: فمن خرج عن طاعتي بعد ذلك فقد خرج عن أمر ربه، وكفى بذلك ذنبًا عظيمًا، فالصحابة لما كانوا أقوم الناس بعد النبي بأوامر الله ﷿ وأطوعهم لله، كان نصرهم بحسبهم أظهروا كلمة الله في المشارق والمغارب، وأيدهم تأييدًا عظيمًا، وحكموا في سائر العباد والبلاد، ولما قصر الناس بعدهم في بعض الأوامر نقص ظهورهم بحسبهم، ولكن قد ثبت في الصحيحين من غير وجه عن رسول الله أنه قال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى يوم القيامة"، وفي رواية: "حتى يأتي أمر الله وهم كذلك"، وفي رواية: "حتى يقاتلوا الدجال"، وفي رواية: "حتى ينزل عيسى ابن مريم وهم ظاهرون" (٣)، وكل هذه الروايات صحيحة، ولا تعارض بينها.

﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٥٦) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٥٧)﴾.

يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين بإقام الصلاة، وهي عبادة الله وحده لا شريك له، وإيتاء الزكاة، وهي الإحسان إلى المخلوقين ضعفائهم وفقرائهم، وأن يكونوا في ذلك مطيعين لرسول الله ؛ أي سالكين وراءه فيما به أمرهم، وتاركين ما عنه زجرهم، لعلَّ الله يرحمهم بذلك، ولا شكَّ أن من فعل هذا، أن الله سيرحمه، كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ﴾ [التوبة: ٧١].

وقوله تعالى: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ﴾ أي: [لا تظن يا محمد أن] (٤) ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي: خالفوك وكذبوك ﴿مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ أي: لا يعجزون الله؛ بل الله قادر عليهم وسيعذبهم على ذلك أشد العذاب، ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَأْوَاهُمُ﴾ أي: في الدار الآخرة ﴿النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ أي: بئس المآل مآل الكافرين، وبئس القرار وبئس المهاد.

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٨) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٩) وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٦٠)﴾.

هذه الآيات الكريمة اشتملت على استئذان الأقارب بعضهم على بعض، وما تقدم في أول


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٥/ ٢٤٢)، وسنده صحيح.
(٢) صحيح البخاري، اللباس، باب إرداف الرجل خلف الرجل (ح ٥٩٦٧)، وصحيح مسلم، الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا (ح ٣٠).
(٣) تقدم تخريجه في تفسير سورة الأعراف آية ١٨١.
(٤) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل: "يا محمد"، وبعدها بياض قدر كلمة.