للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

السورة فهو استئذان الأجانب بعضهم على بعض، فأمر الله تعالى المؤمنين أن يستأذنهم خدمهم مما ملكت أيمانهم وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم منهم في ثلاثة أحوال:

(الأول): من قبل صلاة الغداة؛ لأن الناس إذ ذاك يكونون نيامًا في فرشهم.

- ﴿وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ﴾ (١) أي: في وقت القيلولة، لأن الإنسان قد يضع ثيابه في تلك الحال مع أهله.

- ﴿وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ﴾ (٢) لأنه وقت النوم، فيؤمر الخدم والأطفال أن لا يهجموا على أهل البيت في هذه الأحوال لما يخشى من أن يكون الرجل على أهله أو نحو ذلك من الأعمال، ولهذا قال: ﴿ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ﴾ أي: إذا دخلوا في حال غير هذه الأحوال، فلا جناح عليكم في تمكينكم إياهم من ذلك ولا عليهم إن رأوا شيئًا في غير تلك الأحوال؛ لأنه قد أذن لهم في الهجوم، ولأنهم طوافون عليكم؛ أي: في الخدمة وغير ذلك. ويغتفر في الطوافين ما لا يغتفر في غيرهم، ولهذا روى الإمام مالك وأحمد بن حنبل وأهل السنن أن النبي قال في الهرة: "إنها ليست بنجسة، إنها من الطوافين عليكم أو والطوافات" (٣).

ولما كانت هذه الآية محكمة ولم تنسخ بشيء وكان عمل الناس بها قليلًا جدًا، أنكر عبد الله بن عباس ذلك على الناس.

كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، حدثني عبد الله بن لهيعة، حدثني عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: ترك الناس ئلاث آيات فلم يعملوا بهن ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. . .﴾ إلى آخر الآية، والآية التي في سورة النساء ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾ [النساء: ٨]، والآية في الحجرات: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: ١٣] (٤).

وروى أيضًا من حديث إسماعيل بن مسلم - وهو ضعيف -، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس قال: غلب الشيطان الناس على ثلاث آيات فلم يعملوا بهن ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ إلى آخر الآية (٥).

وروى أبو داود: حدثنا ابن الصباح بن سفيان وابن عبدة وهذا حديثه: أخبرنا سفيان عن


(١) وهو الحال الثاني.
(٢) وهو الحال الثالث.
(٣) الموطأ، الطهارة، باب الطهور للوضوء (ح ١٣)، (ومسند أحمد ٣٧/ ٢١١ ح ٢٢٥٢٨)، وصححه محققوه، وسنن أبي داود، الطهارة، باب في سؤر الهرة (ح ٧٥)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٦٨)، وسنن الترمذي، الطهارة، باب ما جاء في سؤر الهرة (ح ٩٢) وقال: حسن صحيح، وسنن النسائي، الطهارة، باب سؤر الهرة ١/ ٥٥، وسنن ابن ماجه، الطهارة، باب الوضوء بسؤر الهرة والرخصة في ذلك (ح ٣٦٧).
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه وسنده، وسنده جيد، ويشهد له الأخبار التالية.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق إسماعيل بن مسلم به، ويشهد له سابقه ولاحقه.