للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ما أوحيناه إليك هو الحق من ربك الذي أنزله بعلمه وحفظه، وحرسه أن يختلط به وغيره بل هو كتاب حكيم ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)[فصلت].

وقوله: ﴿فَيُؤْمِنُوا بِهِ﴾ أي: يصدقوه وينقادوا له، ﴿فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ﴾ أي: تخضع وتذل له قلوبهم، ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ أي: في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فيرشدهم إلى الحق واتباعه ويوفقهم لمخالفة الباطل واجتنابه، وفي الآخرة يهديهم الصراط المستقيم الموصل إلى درجات الجنات، ويزحزحهم عن العذاب الأليم والدركات.

﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (٥٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٥٦) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (٥٧)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن الكفار: إنهم لا يزالون في مرية (١)؛ أي في شك من هذا القرآن، قاله ابن جريج واختاره ابن جرير.

وقال سعيد بن جبير وابن زيد ﴿مِنْهُ﴾ (٢)؛ أي مما ألقى الشيطان.

﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً﴾ قال مجاهد: فجأة.

وقال قتادة: ﴿بَغْتَةً﴾ بغت القوم أمر الله، وما أخذ الله قومًا قط إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم، فلا تغتروا بالله إنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون.

وقوله: ﴿أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ قال مجاهد: قال أُبي بن كعب: هو يوم بدر (٣)، وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة وغير واحد، واختاره ابن جرير (٤). قال عكرمة ومجاهد في رواية عنهما: هو يوم القيامة، لا ليل له، وكذا قال الضحاك والحسن البصري (٥)، وهذا القول هو الصحيح، وإن كان يوم بدر من جملة ما أوعدوا به لكن هذا هو المراد، ولهذا قال: ﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾ كقوله: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)[الفاتحة] وقوله: ﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (٢٦)[الفرقان].

﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ أي: آمنت قلوبهم وصدقوا بالله ورسوله وعملوا بمقتضى ما علموا، وتوافق قلوبهم وأقوالهم وأعمالهم ﴿فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ أي: لهم النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول ولا يبيد.


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه الحسين، وهو ابن داود: ضعيف.
(٢) قول سعيد بن جبير أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق أبي بشر، وهو جعفر بن أبي وحشية عنه، وقول ابن زيد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عنه.
(٣) أخرجه عبد الرزاق والطبري من طريق قتادة عن أُبي، وسنده منقطع؛ لأن قتادة لم يسمع من أُبي، وأخرجه الضياء المقدسي عن ابن عباس (المختارة ١٠/ ٨٩، ٩٠).
(٤) قول مجاهد أخرجه الطبري من طريقين يقوي أحدهما الآخر، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه، وقول سعيد بن جبير أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق رجل مبهم عنه.
(٥) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق رجل مجهول عن الضحاك.